حكم الزمان من ذكر مصر في القرآن

لا يكاد يمر عليك ذكر مصر في القرآن إلا وتقف عنده تتأمل حكمة هذا الكم البياني، الذي يتراوح بين التصريح بها خمس مرات وخمس وعشرين مرة بالإشارة. ولكن ما العبرة من تكرار ذكرها بهذا الشكل؟ وما الحكمة في هذا التنوع؟ هل هو كما يذهب بعض الظاهرية السذج من أن مصر ممدوحة بذكرها مستعلية بتكرارها؟ ودون النظر للسطحية التي انتقلت لبعض الباحثين واستخدمت كخطاب إعلامي تدجيني سياسي وصل إلى نزعة من التعالي والعنصرية في بعض الأحيان. وأثرت هذه التقريرات-على ما فيها من تحريف في الفهم- فأصبحت من المسلمات عند الجماهير، وزاد الأمر إشكالية بتوارد أحاديث شائعة منسوبة إلى السنة دون بحث في سندها أو الحكمة منها. وأصبحت مسلمة "مصر مذكورة في القرآن" أنها لا تدور عليها الدوائر، ولا يضرها المفسدون. بل أرباب الضلال أنفسهم يروجون لهذه المسلمة (مصر المحروسة)، حتى لا ينكر عليهم منكر ما أصابها على أيديهم.

ولو تأملنا مواضع ذكر مصر في القرآن على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن كل موضع وراءه حكمة. الموضع الأول: لا أمان إلا بعد تمكن الإيمان، وهذه لا شك أنها مسلمة، فإذا ضاع الإيمان فلا أمان، فقول الله تعالى "ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ"، جاء بعد أن مكن الله ليوسف عليه السلام قبلها "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" قال الطبري: وهكذا وطَّأنا ليوسف. يتخذ من أرض مصر منـزلا حيث يشاء، بعد الحبس والضيق.. فمكنا له في الأرض بعد العبودة والإسار، فلا يمكن بأي حال وجود الأمان في ظل الخيانة والفساد وتنحية المحسنين والتمكين للمخربين.

 

 

 

لذا لما آل الأمر لفرعون ومحاربته للمؤمنين، كانت وصية سيدنا يوسف عليه السلام بخروج جسده من مصر، ولو كانت مصر محمودة بلا حكمه ما أوصى بذلك، ففيصحيح بن حبان: أن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم نحن نحدثك: إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا يخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، قــال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا..عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فانطلقت بهم إلى (مكانه) واستخرجوا عظام يوسف (جثمانه)، فلما أقلوها إلى الأرض، إذ الطريق مثل ضوء النهار.

متابعة القراءة
  621 مشاهدات