تدبر قصص الصالحين وقراءتها من أعظم وسائل الثبات على دين الله عز وجل وذلك لأنها تعرض تجربة شخصية واقعية تعين العبد على مواصلة الطريق إلى الله بنجاح .
ومن القصص التي تعني بهذا الجانب قصة ماشطة ابنة فرعون التي ورد ذكرها في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده و صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر ، وقال الشيخ الأرنؤوط إن إسنادها حسن، وهي عند ابن حبان والطبراني وغيرهم، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لما كانت الليلة التي أسري بي فيها وجدت رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، فقلت: ما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت: بسم الله، فقالت بنت فرعون: أبي؟ فقالت: لا، ولكن ربي وربك ورب أبيك الله، قالت: وإن لك ربا غير أبي؟! قالت: نعم، قالت: فأعلِمُه ذلك؟ قالت: نعم، فأعْلَمَتْه".
وفي رواية: "فغضبت ابنة فرعون، فلطمتها وضربتها وأخبرت أباها"، "فدعا بها، فقال: يا فلانة، ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله"، وفي رواية ابن حبان: "ربي وربك من في السماء".
"فأمر ببقرة من نحاس"، قال ابن الأثير: شيء يَسع بقَرة تامَّة بِتَوابِلِها، "فأحميت، ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدًا واحدًا، فقالت: إن لي إليك حاجة، قال فرعون: وما هي؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدفننا جميعا، فقال: وذلك لك علينا، فلم يزل أولادها يلقون في البقرة حتى انتهى إلى ابن لها رضيع، فكأنها تقاعست من أجله، فقال: يا أمه! اقتحمي؛ فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة".
إنها قصة تعرض بطولة امرأة تواجه بثبات إيماني أشهر طاغية في التاريخ ؛فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية بلا منازع.
حكا الله عنه أنه قال: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات:24]، وقال لموسى -عليه السلام-: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء:29].
تبرز قصة هذه المرأة في أبهى وأروع صورها لأنها جادت بنفسها من أجل عقيدتها الحقة التي تؤمن بها فلم تتنازل عن إيمانها بالله ربا ومعبودا بحق.
إنه الايمان الذي يراه الناظر رأي العين فلا يجد إلا أن يعتنقه ويثبت عليه .
والناظر إلى معالم هذه القصة الرئيسيه نجد أن عدم التنازل عن العقيدة الحقة هو المعلم الرئيسي فلم تداهن ولم تقبل بالرخص لتنجو بنفسها وأولادها فلم تخشى الا الله وأعلنتها صريحة أن لا إله إلا الله وأن لا معبود بحق الا الله.
صمدت في وجه الطاغية وزبانيته ولما أصابها الخوف الفطري الذي يصيب الإنسان ثبتها الله بأن أنطق لها وليدها ليخبرها أن نار الدنيا أهون من نار الآخرة.
درس إيماني لمن أراد الثبات والتضحية بصدق لا بالقول فقط ولكن بالقول والفعل .
كم من الدعاة يعلو صوته بجهاد الكلمة حتى إذا وضع موضع الاختبار والابتلاء تراه ينقلب على عقبيه فيخسر خسرانا مبينا.
رحم الله سيد قطب حينما طلب منه استرضاء الطاغية ليتم العفو عنه فقال:
إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية
تعليقات