إستحقاق القوة !!_______
في نظري لم يكن وعد بلفور 1917 بوطن قومي لليهود والصهاينة في فلسطين، وعد من لا يملك لمن لا يستحق كما يشاع، وإنما كان وعد المحتل القاهر المسيطر، ببعض ما يحتله، لمقدمة جيشه وعساكره وطلائعه !!
فتوصيف "بريطانيا العظمى" التي كانت تحتل الشرق الإسلامي عسكرياً آنذاك بـ"مندوبها السامي البريطاني" بمن لا يملك، وكذا توصيف اليهود المنتشرين في اوروبا عموما وبريطانيا خصوصاً، والمسيطرين على مراكز النفوذ فيها آنذاك خاصة النفوذ الاقتصادي بمن لا يستحق، هذا التوصيف - من لا يملك ومن لا يستحق - في نظري غير دقيق من جهة، ومخادع من جهة أخرى، إلا أنه أسلوب خطابي وعظي، وتعبير عاطفي غاضب لا يناسب الواقع، وإن أطلقه مخلص لقضية الإسلام والعروبة ولكنه عاجز عن المواجهة والتغيير !!
وإن كان توصيف "من لا يملك ومن لا يستحق" هو الحقيقة في ذات الأمر، لأن الأرض لله تعالى يورثها من يشاء من عباده، والمستحق لها في الحقيقة والأصل والقاعدة هم أهل الإيمان لا أهل الكفر، إلا أن الواقع هنا شاذٌّ على خلاف الأصل والقاعدة !!
فأيُّ مِلْكٍ وأي استحقاقٍ - في المقاييس البشرية - يكون أعظم من امتلاك القوة ؟!! خصوصاً إذا كانت غاشمة !!
فبلفور كان يملك، واليهود والصهاينة كانوا يستحقون بمقاييس القوة الغاشمة.
وكذلك ترامب اليوم يملك فلسطين، والصهاينة يستحقون أن ينقل ترامب سفارته إلى القدس بالأمس، ويستحقون أن يعلن ترامب اليوم ويُوقِّع على استقرار حكم الدويلة اللقيطة على الجولان، وأن يعطيها غداً حقيقة التربع على عرش المنطقة بأسرها بمقتضى ما يسمى بـ"صفقة القرن" المزعومة، كل ذلك بمنطق القوة الغاشمة فحسب !!
ومما يثير السخرية أيضاً من مثل ذلك الخطاب العاطفي الوعظي، تنادي بعضنا على الحكام العرب إزاء كل نازلة تنزل بنا أين الحكام العرب ؟!! .. وأحسننا حالاً من يعتقد أن الحكام العرب خونة !! .. فما أشبه حال المتنادين بالحكام العرب بحال المستجير من الرمضاء بجهنم !!
والحقيقة أن أولئك ليسوا مسلمين أصلاً، وليسوا حكاماً، وليسوا عرباً في الحقيقة، وليسوا حتى خونة !! .. بل هم قومٌ كالنعال يلبسهم الكفرة متى شاؤوا وينزعونهم متى شاؤوا، ويوظفونهم فينا فيتبارَوْن لإرضائهم بقتلنا وسفك دمائنا، ونهب ثرواتنا، وبيع أراضينا، وحرب ديننا، وكيد شريعتنا، وتمزيق أمتنا، وإشاعة فُرْقتِنا، وهتك أعراضنا، والتمكين بكل سبيل لأعدائنا !!
ومكمن الخطرأنهم من جلدتنا ويتكلمون بالسنتنا، إلا أنهم في الحقيقة أكفر من الكفر، وأخبث من الشياطين، وأعدى لنا من كل أعداء العالم، ولا يمكن لأعداء العالم أن ينالوا منا شيئاً يذكر إلا بهم !! وهذه خمسة عشر قرناً تشهد بذلك !!
وكما أنه لا يفُلُّ الحديد إلا الحديد، فكذلك لا يمكن مواجهة تلك القوى الغاشمة إلا بالقوة العادلة، فإن لم نملكْها أعددناها كما أُمِرنا، ولا يلزم أن تكون على مثال قوة الأعداء، كما لا يلزم أن تكون بدايتها بالصورة المثلى المنشودة.
وإنما نبدأ في إعدادها من حيث نحن لا من حيث ما يجب أن يكون، ثم نتدرج من الإعداد الإيماني بتأمل عبادات القلوب والتحقق بها، إلى الفهم والوعي عن الشرع والواقع، ثم إلى القوة المادية ولو من الصفارة والزمارة وغطاء الآنية ونزول الشارع والعصيان المدني، إلى السلاح والعتاد، ثم إلى الحرية ونشر العدل !!
#فرحات_رمضان
تعليقات