رد فعل الملحدين و من تعاطف معهم على وفاة واحدة من دعاة الإلحاد لابد أن ينبهنا إلى الهدف الاستراتيجي لمن وراء مثل هذه الحركات سواء النسوية، أو الشذوذ، أو الإلحاد, ألا وهو تطبيع هذه الظواهر الكفرية في مجتمعات المسلمين وقبولها كمكونات اجتماعية موجودة, و ذات شرعية، حتى بالمعنى الديني, من خلال استراتيجية الصدمة واستغلال حالة الضعف والهزيمة والتراجع للحركة الإسلامية, و تسلط أنظمة علمانية مستبدة تعمل على علمنة مجتمعات المسلمين علمنة شاملة: تخرج الدين من الحياة و تحَيّد أصحابه و تخرجهم من المشهد تماماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
و أنا هنا لا يعنيني - بل لا أراه مهماً - الصراع مع، والرد على الملحدين؛ الصرحاء
منهم والأخفياء، والمتعاطفين معهم من الجهلة وأصحاب الأهواء.
الإشكال
بالحقيقة ذاتي:
فالإسلاميين شغلوا أنفسهم طوال سنوات
بمحاربة طواحين الهواء بخطابٍ دعويٍّ لا علاقة له بمرض المسلمين الأساسي ألا وهو
العلمنة.
ومنذ التسعينات ونحن في تراجعٍ واضحٍ وتدهورٍ مجتمعيٍ ظاهرٍ ولم نتوقف لحظةً
لدراسة الواقع ومعرفة الخلل.
ومنذ الثورة والانقلاب بعدها وحتى الآن لم يتوقف أحد لدراسة حالة انقلاب الجماهير
على الإسلاميبن وكيف ولماذا حدثت ؟!
مشغولون بالسياسة التي فشلنا فيها ولا نريد أن نعرف و ندرس لماذا فشلنا؟!
مشغولون بانتقاد السيسي وإهانته والسخرية منه والدعوة للثورة التي كشفت
مظاهرات سبتمبر أننا لا نتقن الثورة إلا على الفيس بوك فقط.
حسناً.. أنت عاجز عن الثورة فلتتحرك فيما تستطيعه إذاً.
أما الانشغال ليل نهار بالسياسة والثورة والبكائيات على الواقع ومرارته دون التحرك
للإصلاح في مساحات المستطاع فما قال به الشرع يوماً.
خطابنا الدعويُّ لم يمس يوما قضية الهوية إلا بكلامٍ عامٍ عاطفيّ.
الهوية بأركانها الثلاثة:
· التوحيد ونقيضه الشرك
· الايمان ونقيضه الكفر
· الولاء والبراء
نحن لم
نتحقق كإسلاميين هذه الأركان علماً وفهماً وعملاً ولم نتحقق بدعوة عامة الناس إليها
وبيانها وبيان أحكامها لهم.
هناك أسماء وأحكام وضعها الشرع لتصنيف الناس:
· مسلم
· و مؤمن
· و فاسق
· و مبتدع (بدرجاته )
· و كافر أصلي
· و مرتد
· و منافق
هذه هي
التصنيفات في الشرع والتي ينبني عليها الأحكام.
هل اهتم الإسلاميون بتعلمها وتعليمها ؟!
هناك كثير من الإسلاميين لا يعرف هذه الأسماء والأحكام ولم يتعلمها وعليه فهو
يخبّط فيها خبطاً عشوائياً، بجهلٍ تارة، و بهوىً تارة أخرى.
إن الإسلاميين أصبحوا يُجارون المصطلحات العلمانية في الأسماء والأحكام:
· تكفيريّ
· إرهابيّ
· متطرف
· مِثليّ
· شاذّ
· متحررة/ متحرر
· التنمر
· مواطن/مواطنة
· ...وهكذا
الأسماء
والأحكام هي الأرضية التي يقف عليها المسلم وتحدد موقفه من الآخرين المخالفين
للدين بدرجاتهم.
أنت لم تهتم بالدراسة التفصيلية للأسماء والأحكام، ولم تكن في خطابك الدعويّ
يوماً ما، فماذا تنتظر أن تكون الثمرة
والنتيجة ؟!
دعاءٌ للكفار بمللهم، وعدم تكفير لهم، بل ودعاء للمرتدين بأصنافهم، وتَلَمُّس الأعذار
لهم، والتعاطف معهم.
و أذكرك أني لا أتكلم عن الملحدين والعلمانيين، بل أتكلم عن عامة الناس لأن الأولين
لا يهمونني في شئ، و إنما محلَ المعركة نصراً أو هزيمة هي عوام الناس.
عندما تكلم د/ إيَّاد قنيبي للرد على الدحيح، استغرب الإسلاميون رد الفعل والتعاطف
معه ورفض كلام قنيبي فقط لانه ملتحي.
لم يدرك الإسلاميون حتى الآن سقوط الهالة المقدسة للشيخ في أذهان العامة وأعينهم
نتيجة سقوط تجربتهم السياسية، ونتيجة الدعاية المضادة ونتيجة عدم إنتاج خطاب دعويّ
مكافئ يواجه الإنحرافات الحقيقية ويسقط الدعاية المضادة ونتيجة سلوكيات الإسلاميين
أنفسهم.
سقط الشيخ فماذا تنتظر ؟!
بدلا من الانشغال بالرد على الملحدين الصرحاء والأخفياء،
أنت تحتاج لمراجعة لماذا سقطت ؟ و كيف تقوم مرة اخرى؟
أنت تحتاج لإعداد دارسين للرأي العام والتسويق الاجتماعي والسياسي.
أنت تحتاج لتوجيه خطابك لعوام الناس ولا تستنزف نفسك وطاقتك في معارك تخسر
فيها هؤلاء العامة الذين هم محل معركتك الحقيقية وهم رصيدك الحقيقي وهم أهلك
واخوانك الذين لهم حق عليك وحقهم هذا واجب عليك اصالةً.
والله أعلم
تعليقات