تأتي أضواء اختتام القمة الإسلامية بالعاصمة الماليزية كوالالمبور في يوم 21 ديسمبر الماضي، بمشاركة كلا من ماليزيا وتركيا وقطر وإيران، وسط تسونامي يضرب العالم الإسلامي خلال حقبه زمنية مظلمه. مستهدفين البحث عن شعاع أمل لحل مشاكل الدول الإسلامية، والسعي للتكامل بينها.
بعدما صار واضحا للجميع عدم فاعلية أي من المنظمات الموجودة حاليا للقيام بهذا الدور الضروري، مع انعدام قدرتها أو رغبتها السياسية للتنفيذ.
الأمر الذي أدى لتعليق قضايا العالم الإسلامي المحورية: كالقضية الفلسطينية، والحروب الاقتصادية، بل وصل إلى عدم قدرة العالم الإسلامي حتى على إيصال المساعدات الإنسانية اللازمة للشعب الفلسطيني، بالإضافة لتعرض العالم الإسلامي لاستغلال موارده، والتفتيت الطائفي، ومواجهة بعضه بعضا، ولا أحد يحرك ساكنا، مما أوجب على الدول المشاركة التحرك، ومحاولة التنسيق بينها لسد هذا النقص في الأمة الإسلامية.
ولهذا أكد قادة الدول المشاركون عمليا على أهمية وحدة العالم الإسلامي، لمجابهة المخاطر والتحديات المشتركة، وهذا الذي بينه رئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد، مؤكدا أن القمة لم تقصِ أحدا، ولكنها بداية مصغرة في سبيل وحدة، وتكامل العالم الإسلامي.
مؤامرات مفضوحة
وفي الوقت الذي تمثل فيه القمة طوق النجاة وبارقة الأمل، سلت سيوف الغدر وخساسة المؤامرات، حيث قامت السعودية الإمارات بمهاجمة القمة بطريقة فجه ومحيره، عبر وكلائها ومنصات الأخبار والتواصل الاجتماعي، في محاولة لوقف فعلياتها قبل بدايتها.
ونجحت السعودية بالضغط على رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، مما أدى إلى تراجعه عن الحضور، أو إرسال ممثلين عنه، وكذلك تراجع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو.
ودفعت هذه الفجاجة الرئيس التركي أردوغان للإعلان خلال الجلسات الختامية للمؤتمر عن تعرض عمران خان لتهديد سعودي: بالتأثير على الاقتصاد الباكستاني حال حضوره للقمة، وسحب الودائع السعودية من البنك المركزي الباكستاني، كما هددوا بترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية واستبدالهم بالعمالة البنغالية. مما اضطر باكستان، والتي تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة، للانسحاب من المؤتمر، كما أكد الرئيس التركي أن جاكارتا، من جهتها، كانت تفكر في بادئ الأمر بإيفاد نائب الرئيس الإندونيسي؛ قبل أن تتراجع عن هذا القرار بسبب الضغوطات أيضا.
ودفعت هذه المؤامرات وزير الخارجية الماليزي سيف الدين عبد الله للرد على اتهام ماليزيا بتقسيم الأمة الإسلامية، في نفس الوقت الذي تخوض فيه دولا حروبا نيابة عن القوى العظمى، وتقصف دولا إسلامية أخرى وتفرض العقوبات عليها بالوكالة، بل ربما تقوم هي ذاتها بالقصف وفرض العقوبات، مشيرا إلى حالة السعودية والإمارات في اليمن.
وتأسف سيف الدين على حدة الانقسام والاستقطاب الذي يتميز به العالم الإسلامي اليوم، وانتشار مشاكل كالعنصرية، وانتشار الأيديولوجيا الاستعلائية بدلا من أن نتعاون فيما بيننا لحل المعضلات التي تواجهها، على المستوى الحكومي والأهلي.
خطوة نحو الأمل
وفي خطوة لتحقيق الآمال أعلن قادة الدول المشاركة في القمة عن أهدافها من خلال كلماتهم التي ألقوها، وأكدر مهاتير محمد في افتتاح القمة أنها مخصصة للبحث في أحوال المسلمين، ومآسيهم وأوضاعهم، التي وصلت بهم إلى أن يكونوا أمة مستضعفة في ذيل الأمم، يتطاول عليهم الجميع بالقتل والتهجير والتشريد، حتى صاروا يهجرون أوطانهم بحثا عن اللجوء والأمان في دول الشرق والغرب غير الإسلامي.
وأشار أن القمة تسعى لطرح حلول لوقف هذه المآسي، ومواجهة أسباب الحروب الداخلية، والعمل على تقليل المشكلات، ومعرفة كيف ظهرت، وإصلاح سمعة الدين الإسلامي، كما أكد مهاتير أن القمة ليست مخصصة لبحث قضايا الدين الإسلامي، والاختلافات بين مذاهبه وطوائفه.
كما أوضح أن القمة تهدف لإيجاد الأرضية التي يمكن من خلالها التعاون بين الدول المشاركة في مجال التكنولوجيا والصناعات العسكرية والتجارة، إذ تم بالفعل توقيع 15 اتفاقية بين ماليزيا وتركيا تهدف إلى التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا قبيل انعقاد القمة، بالإضافة إلى 14 اتفاقية حسن نية بين شركات الدفاع والتكنولوجيا في البلدين، بالإضافة إلى اتفاقية بين قطر وماليزيا لمضاعفة إنتاج الحليب في جنوب شرق آسيا إلى 50 مليون لتر سنويا. ووفقا لمهاتير فقد هدف المؤتمر أيضا لإيجاد آليات لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر عليه منذ سبعة عقود.
وفي ذات الوقت أعلن الشيخ تميم أمير قطر عن أهدافه والتي تمثلت في العمل على إيجاد البيئة الصالحة للتنمية، تلك التنمية التي عنى بها بناء الإنسان، القادر على بناء وطنه، وكذلك السيادة الوطنية، التي تعني الاستقلال في اتخاذ القرار، كما أكد على القواسم المشتركة بين الدول الإسلامية ونبذ الخلافات، وتطبيق العدالة في الصراعات بعيدا عن انتهائها بالقوة المهيمنة. يوافقه في ذلك مهاتير محمد إذ يرى أن بعض الدول انهارت وتدمرت بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها استطاعت الوقوف ثانية، إلا أن معظم الدول الإسلامية لم تنجح في التنمية ولا الإدارة الجيدة.
كما أفاد أن المؤتمر يهدف لإيجاد آليات لمواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، عن طريق تقديم الصورة الحقيقية للإسلام، بعدما صار الساسة الغربيين يجلبون لأنفسهم أصوات الناخبين عن طريق التحريض على الإسلام والمسلمين.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ففي ظل التهديدات الأمنية التي تواجهها تركيا، والضربات الاقتصادية الأمريكية المتتالية ضدها، فقد تركزت أهدافه في محاولة استغلال الظرف التاريخي الذي يمر به العالم المعاصر، والتغيرات السياسية والاقتصادية التي لم تتكرر وتيرتها منذ الحرب العالمية الثانية، والتي ربما تنتج عنها نظام عالمي جديد، يتغير فيه موازين القوى الحالية ومواضع القوى العظمى فيه، مما يدفع الدول الإسلامية لوجوب التكتل والتكامل فيما بينها في مجالات الغذاء والتكنولوجيا والطاقة والدفاع، لإيجاد موطئ قدم ومكان في خريطة العالم، والتي امتلأت بالتحالفات والتكتلات السياسية، والعمل من أجل نظام عالمي جديد لا يمنح الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن - الصين والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا - الحق في التحكم في العالم الإسلامي، والذي يشكل ما يقرب من ربع سكان العالم، "فالعالم ليس خمسة فقط" بحسب أردوغان.
كما هدف من خلال التكتل وتكامل الموارد، للقضاء على الفقر في العالم الإسلامي، من خلال آلية كجمع الزكاة وتوزيعها بشكل عادل، تلك الزكاة التي قدرها اتحاد علماء المسلمين بحوالي 400 مليار دولار سنويا، وأشار لأهمية إيجاد آلية للتداول والتجارة بين الدول الإسلامية بعملاتها الخاصة.
كما أعلن الرئيس الإيراني عن أهداف أخرى للمؤتمر، والتي يظهر فيها ما تعانيه إيران من حصار أمريكي خانق، إذ تصعد الإدارة الأمريكية مؤخرا ضدها ما أطلق عليه "استراتيجية الضغط الأقصى" للضغط عليها للتراجع عن مواقفها، وخاصة برنامجها النووي، إذ دعا الرئيس الإيراني روحاني إلى إبرام الاتفاقيات بين الدول الإسلامية باستخدام عملاتها الخاصة، مع إنشاء آلية خاصة للتعاون المصرفي والمالي بين الأطراف المشاركة، وقال روحاني "ينبغي على العالم الإسلامي أن يصمم تدابير لإنقاذه من سيطرة دولار الولايات المتحدة والنظام المالي الأمريكي"، ما يعكس شدة الضغط الأمريكي على إيران من خلال الدولار الأمريكي.
كما اقترح روحاني إنشاء آلية لتأمين على النقل حصرية للدول الإسلامية، ما يعكس تأثره بما تتعرض له سفن النفط الإيرانية من الإيقاف، والحوادث المتكررة للسفن في الخليج العربي.
خطوات عمليه للتعاملات البينية
واتخذت القمة خطوات عملية للتعاملات البينية فأعلن مهاتير محمد أن بلاده، وإيران، وتركيا، وقطر، تبحث تنفيذ المعاملات التجارية فيما بينها بالذهب ونظام المقايضة، في محاولة للتمكن من التوصل إلى آلية لتطبيقه، كنظام للحماية من أي عقوبات مستقبلية محتملة، مستهدفا اعتماد العالم الإسلامي على نفسه، ومشيدا بحالة إيران وقطر في تحملهم لتبعات المقاطعة الاقتصادية، حيث قال: "مع وجود دول في العالم تتخذ قرارات أحادية الجانب لفرض مثل تلك الإجراءات العقابية، يتعين على ماليزيا وغيرها من الدول أن تأخذ في الحسبان دائما أن العقوبات قد تفرض على أي دولة منا". كما اتفق الزعماء على ضرورة إبرام المزيد من المعاملات بين دولهم والتجارة بعملاتها، في محاولة أولى للتخلص من تحكم الدولار الأمريكي في المعاملات فيما بينها.
تجربة جديده ودافع قوي
تعتبر القمة رغم ما أحيك حولها من مؤامرات بداية تجربة إسلامية جديدة "مصغرة"، بين دول تمتلك من الموارد الطبيعية والبشرية والمالية وأيضا التكنولوجية والدفاعية، ما يمكن أن يكون دافعا قويا لنجاحها، وتهدف القمة إلى التكتل والتكامل والتنمية فيما بين الدول المشاركة، وحل مشكلات المسلمين المستضعفين المضطهدين، والتخلص بداية من سيطرة النظام العالمي المعاصر السياسية والاقتصادية، الذي يخضع العالم الإسلامي لرغباته واختياراته وفقا لمصالح الخمس الكبار في مجلس الأمن، بالإضافة لتقديم الإسلام بشكله الحقيقي، للتخلص من الإسلاموفوبيا المنتشرة في الدول غير الإسلامية.
محاذير في الحسبان
ولابد هنا أن لا نلتفت لهذا الحدث المهم قبل أن نضع في الحسبان أن العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، بين الدول المشاركة والدول الكبرى مازالت أضعاف العلاقات بينها وبين بعضها البعض، بل تكاد تكون منعدمة على بعض المستويات كالمستوى الأمني باستثناء العلاقات بين تركيا وقطر، مما يشير إلى أن التكتل الجديد يحتاج إلى عمل متواصل وجهد دؤوب، وتيقظ للعراقيل والمؤامرات التي سيتعرض لها ولابد، كانت بدايتها الحملة التي شنتها السعودية والإمارات عليه من قبل بدايته، إلا أن توافر الرادة السياسية لدى قادة البلاد المجتمعة، وتوافر الموارد والقدرات التكنولوجية اللازمة قد تبشر باستمرارها وتطورها.
تعليقات