لقد أدرك العلماء قديمًا أهمية المعارف وعلوم الواقع كالسياسة والتربية والإدارة والإعلام والاقتصاد والتاريخ وغيرها من العلوم وعرفوا وجوب توظيف هذه العلوم المختلفة لأجل نصرة الدين والعرض والنفس والمال، ومنها ما هو من الوسائل والأساليب والتي يتخذ حكمها من حكم المقاصد والذي عليه مدار الأحكام كلها، فقد يكون من الواجبات عندما لا يتحقق الواجب إلا به, وقد يكون من فروض الأعيان، كما يكون من فروض الكفايات أي ما يفعله بعض الدعاة، وإلا وقع في الإثم بحيث يحدث تحصيل الكفاية به في هذا الأمر فهذا معنى تحقيق فرض الكفاية حتى يسقط الإثم عن الباقين، ومنها ما يتناسب مع حجم المقصد وطبيعة الهدف.
ومن أجل هذا كان تعلم هذه العلوم أمرًا ضروريًا لنصرة دين الله, لما فيه من جلب المصالح وفق السنن الكونية ودفع المفاسد عن الدين وأهله، بل أن لجميع العلوم الحسنة انعكاسًا على أخلاق المرء وسلوكه قال المُزني: (سمعت الشافعي يقول من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رق طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه, ومن كتب الحديث قويت حجته, ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه) مفتاح دار السعادة 1/165.
فتعلم هذه العلوم ليس أمرًا تكميليًا وإنما قد يكون لذاته لما فيه من مصالح العباد كما قال الغزالي عن الطب واعتباره من فروض الكفاية وأن أهل القرية المسلمين جميعًا يقعون في الإثم ما لم يتصدر منهم من يقوم بواجب تعلم الطب وممارسته (فلا عجب من قولنا أن الطب والحساب من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة…) الإحياء1/16.
وقد يكون التعلم لأجل صبغ العقل بالمنهجية العلمية وطرق البحث والاستنباط المستقيم, وفي هذا يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته (فوجب لذلك أن يكون كل نوع من العلم والنظر يفيدها عقلًا فريدًا، والصنائع أبدًا يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من تلك الملكة) المقدمة/428.
بل أن تعلم هذه العلوم وتحصيلها وإيجاد المتخصصين فيها على كل المستويات الحركية الإسلامية هو من القوة التي أمر الله بإعدادها في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) سورة الأنفال الآية 60.
فإن كل ما يستعان به على قتال العدو والنصر عليه هو من القوة المأمور بها كما ذكر ذلك الطبري في تفسيره والجصاص في أحكام القرآن.
وانظر إلى تصريح العلامة السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن حيث قال: (أي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك، وأنواع الصناعات، التي يعمل فيها أصناف الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم, فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات والبنادق والطائرات الجوية والمراكب الجوية والبحرية والقلاع والخنادق وآلات المدافع والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم بها شر أعدائهم وتعلم الرمي والشجاعة والتدبير) تيسي الكريم الرحمن 2/240
وإن من قواعد الشريعة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلا يعرف انطباق حكم على شيء إلا بعد معرفة واقعه أولا, ومعرفة الواقع يرجع فيها إلى أهل العلم بهذا الواقع، يقول ابن القيم: (دليل مشروعية الحكم ودليل وقوع الحكم، الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم؛ فالأول متوقف على الشارع والثاني يعلم بالحس أو الخبر أو الزيادة, فالأول الكتاب والسنة ليس إلا وكل دليل سواهما يستنبط منهما والثاني مثل العلم بسبب الحكم وشروطه وموانعه، فدليل مشروعيته يرجع فيه إلى أهل العلم بالقرآن والحديث، ودليل وقوعه يرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأسباب والشروط والموانع) بدائع الفوائد 4/821.
ومما يتفرع على ذلك أن النظر في المصالح يحتاج إلى نظرين: فالنظر الأول إليها واقعيًا من كونها حقيقية أو موهومة عند أهل العلم بالواقع، ثم يأتي من بعد ذلك النظر الثاني وهي كونها حقيقية أو موهومة عند أهل العلم بالشرع.
بل إن هذه العلوم تتسم بأن قواعدها عمومية مطردة وهي حاكمة لا محكومٌ عليها أي أنها تفيد في العمل المترتب عليها أحكامًا عامة قطعية، يقول الشاطبي رحمه الله: (وأيضًا فإن الكليات العقلية مقتبسة من الوجود، وهو أمر وضعي لا عقلي، فاستوت مع الكليات الشرعية بهذا الاعتبار وارتفع الفرق بينهما) الموافقات 1/77.
ويعني باقتباسها من الوجود: أنها من حقائق الحياة وظواهرها العامة المطردة التي تعرف بالاستقراء والتجربة وليس بالتأمل فقط وأنها تفيد القطعية في أحكامها وقواعدها الخاصة بها.
فالكليات العقلية تُستفاد من آلاف التجارب والخبرات حتى تنتج قواعد شاملة مطردة وهذا لا يتحقق بتجارب وخبرات أفراد مهما كانت قدراتهم العقلية وتجاربهم الشخصية.
ومن علوم التمكين في الأرض علم السياسة, والعلم به من مقتضى فهم الشريعة, وقد يظن بعض الإسلاميين اليوم أن هذا القول تكلف لم يقل به السلف ولا نحتاجه في شيء، وما علم أن السلف اعتبروه من أسباب القوة والتمكين في الأرض فيقول ابن القيم في معرض حديثه عن فضل العلم: (وما حصل ليوسف – عليه السلام – من التمكين في الأرض، والعزة والعظمة تعلمه بتعبير الرؤيا، ثم علمه بوجوه استخراج أخيه من إخوته، بما يقرون به، ويحكمون هم به حتى آل الأمر إلى ما آل إليه من العز والعاقبة الحميدة وكمال الحال التي توصل إليها بالعلم)، كما أشار إليه سبحانه في قوله: "كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم" جاء في تفسيرها: نرفع درجات من نشاء بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته بالعلم وقال في إبراهيم عليه السلام: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء) فهذه رفعة بعلم الحجة وتلك رفعة بعلم السياسة مفتاح دار السعادة 1/173.
ومن هنا يعلم ضرورة تعلم الإسلاميين للسياسة, وفهم البواعث والأهداف للمواقف السياسية، ومحاولة تحليلها ومعرفة أسبابها ونتائجها, وتوقع الأحداث والاحتمالات المختلفة، والبدائل الممكنة الواقعية حتى يتحقق لدين الله النصر والتمكين في الأرض.
والعلوم العسكرية هي أيضًا من معاني الثقافة الشاملة لقيادة الأمة ومن الأسباب الرئيسية لنصرة الدين ولا يكتمل فهم السياسة إلا بها من خلال تعلم علوم الإستراتيجية والتخطيط.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولن يقوم الدين إلا بالكتاب والميزان والحديد، كتاب يهدي به وحديد بنصره, كما قال تعالى: (ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) فكتاب يقوم به العلم والدين، والميزان به تقوم الحقوق من العقود المالية المقبوضة، والحديد تقوم به الحدود على الكافرين والمنافقين، ولهذا كان في الأزمان المتأخرة الكتاب للعلماء والعباد، والميزان للوزراء والكتاب وأهل الديوان، والحديد للأمراء والأجناد، والكتاب له الصلاة، والحديد له الجهاد، ولهذا كان أكثر الآيات والأحاديث النبوية في الصلاة والجهاد) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 35/36.
وسبق أن نقلنا عن العلامة السعدي رحمه الله التصريح بوجوب ذلك فارجع إليه هديت رشدك.
ومن المعارف المهمة معرفة وفهم العلمانية وفلسفاتها ومخططاتها في علمنة السياسة والمجتمع ودراسة الغرب وأفكاره ومخططاته وقد يظن البعض أن معرفة الإسلام وحده تكفي وأن معرفة الولاء والبراء تكفي ولم يفطن إلى أن من تمام الإيمان معرفة الجاهلية وأبعادها كما يقول الإمام الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية)، يقول ابن القيم رحمه الله: (ولهذا كان الصحابة أعرف الأمة بالإسلام وتفاصيله وأبوابه وطرقه، وأشد الناس رغبة فيه وحجة له وجهادًا لأعدائه وتكلمًا بإعلامه وتحذيرًا من خلافه لكمال علمهم بضده فجاءهم الإسلام وكل خصلة منه مضادة لكل خصلة مما كانوا عليه, فازدادوا له معرفة وحبًا, وفيه جهاد بمعرفتهم بضده وذلك بمنزلة من كان في حصر شديد وضيق ومرض وفقر وخوف ووحشة).
فقيض الله له من نقله منه إلى فضاء وسعة وأمن وعافية وغنى وبهجة وسرور لأنه يزداد سروره وغبطته وحجته بما نقل إليه بحسب معرفته بما كان فيه وليس حال هذا كمن ولد في الأمن والعافية والغنى والسرور فإنه لم يشعر بغيره وربما قيضت له أسباب تخرجه عن ذلك إلى ضده وهو لا يشعر وربما ظن أن كثيرًا من أسباب الهلاك والعطب تفضي به إلى السلامة والأمن والعافية، فيكون هلاكه على يدي نفسه وهو لا يشعر وما أكثر هذا الضرب من الناس فإذا عرف الضدين وعلم مباينة الطرفين وعرف أسباب الهلاك على التفضيل كان أحرى أن تدوم له النعمة ما لم يؤثر أسباب زوالها على علم، وفي مثل هذا قال القائل: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوخيه.. ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه.
وهذا حال المؤمن يكون فطنًا حاذقًا أعرف الناس بالشر وأبعدهم منه، فإذا تكلم في الشر وأسبابه ظننته من شر الناس، فإذا خالطته وعرفت طويته رأيته من أبر الناس)، مفتاح دار السعادة 1/295.
ومن هذه العلوم علم التاريخ، وهو من أجل العلوم وأعظمها، ويكفيك في أهميته ما قاله السخاوي رحمه الله في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ حيث قال: (وكذا ما يذكر فيه من أخبار الملوك وسياستهم، وأسباب مبادئ الدول وإقبالها، ثم سبب انقراضها، وتدبير أصحاب الجيوش والوزراء، وما يتصل بذلك من الأحوال التي يتكرر مثلها، وأشباهها أبدًا في العالم، غزير النفع، كثير الفائدة، بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله وجرب الأمور بأسرها، وباشر تلك الأحوال بنفسه، فيغزر عقله، ويصير مجربًا غير غِر ولا غمر، وما أحسن قول بعض السادة, العقل عقلان؛ مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع ما لم يكن ثم مطبوع)، الإعلان بالتوبيخ 131.
وانظر إلى قول المسعودي في فوائد التاريخ حيث يقول: (فكل غريبة منه تعرف, وكل سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس, يجمع لك الأول والآخر, والناقص والوافر, والبادي والحاضر, والموجود والغابر, وعليه مدار كثير من الأحكام)، مروج الذهب 1/4.
وما ذكرته لك عن هذه العلوم بأعيانها فقس عليها غيرها من علوم الإدارة والتخطيط والتربية والإعلام والاجتماع والاقتصاد، فإن العلوم تعرف بأشباهها، بل إن الأخذ من جملة المعارف البشرية والثقافة العامة من كل فنِ بنصيب وسهم مما هو مرغب فيه, ومما يوسع المدارك ويعمق الفهم، فيكسب عقلًا تحليليًا, وفهمًا استنباطيًا, ولقد أدرك ذلك العلامة الشوكاني رحمه الله فيقول في أدب الطلب: )ثم لا بأس على من رسخ قدمه في العلوم الشرعية أن يأخذ بطرف من فنون هي من أعظم ما يصقل الأفكار ويصفي القرائح ويزيد القلب سرورًا والنفس انشراحًا, كالعلم الرياضي والطبيعي والهندسة والهيئة (الفلك) والطب, وبالجملة فالعلم لكل فن خير من الجهل به بكثير ولا سيما من رشح نفسه للطبقة العلية والمنزلة الرفيعة, ودع عنك ما تسمعه من التشنيعات، فإنها كما قدمنا لك شعبة من التقليد وأنت بعد العلم بأي علم من العلوم حاكم عليه بما قد لديك من العلم غير محكوم عليك واختر لنفسك ما يحلو.
وليس يُخشى على من قد ثبت قدمه في علم الشرع من شيء، ربما على من كان غير ثابت القدم من علوم الكتاب والسنة، فإنه ربما يتزلزل وتحول ثقته، فإذا قدمت العلم بما قدمنا لك من العلوم الشرعية فاشتغل بما شئت, واستكثر من الفنون ما أردت، وتبحر في الدقائق ما استطعت، وجاوب من خالفك وعذلك وشنع عليك بقول القائل:
أتانا أن سهلًا ذم جهلًا.. علومًا ليس يعرفهن سهل
علومًا لو دراها ما قلاها.. ولكن الرضا بالجهل سهل
أدب الطلب 123.
والخلاصة: أن هذه العلوم تقود إلى الوعي الحضاري والذي هو من مقاصد الشريعة إذ بواسطته يمكن تحصيل ما يلي:
معرفة الأسباب والعوامل المؤدية إلى سقوط الحضارات والدول ونشوئها ومعرفة سنن الله في الكون.
معرفة التجارب الحربية، والصراعات السياسية، وأسباب القوة وطرق تحصيلها, والتخطيط الإستراتيجي وما يتعلق به من مهام ودراسات.
معرفة التطبيقات العلمية للمفاهيم التربوية، وطريقة إصلاح المجتمعات، ونشر الفكر فيها معرفة نقاط القوة والضعف، وعوامل البناء والتخريب في المجتمعات المختلفة، ومعرفة مدى تأثير العوامل المختلفة في ذلك.
إن تكامل هذه العلوم وشمول المعرفة يمكننا من القدرة على التفكير السليم، وفهم الواقع وتحليله وتنمية ملكة الإدارة, والتخلص من سذاجة التفكير، ومن سطحية الاستنتاج، وعدم الجنوح تحت تأثير العاطفة أو الإغراق في المثاليات مما يجعل عملنا ونصرنا لدين الله راشدًا محققًا للغاية بإذن الله.
ونختم هنا بكلمات لابن القيم في طريق الهجرتين حيث يقول (السائر إلى الله والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين؛ قوة علمية, وقوة عملية، فبالقوة العلمية يُبصر منازل الطريق ومواضع السلوك فيقصدها سائرًا فيها ويجتنب أسباب الهلاك، ومواضع العطب وطريق المهالك المحرفة عن الطريق الموصل، فقوته العلمية كنور عظيم بيده يمشي في ليلة عظيمة مظلمة شديدة الظلمة فهو يبصر بذلك النور ما يقع الماشي في الظلمة في مثله من الوهاد والمتآلف ويعثر بالأحجار والشوك وغيره، ويبصر بذلك النور أيضًا أعلام الطريق وأدلتها المنصوبة عليها فلا يضل عنها فيكشف له النور عن الأمرين أعلام الطريق ومعاطبها, وبالقوة العملية يسير حقيقة بل السير هو حقيقة القوة العملية.
فإن السير هو عمل المسافر وكذلك السائر إلى ربه إذا أبصر الطريق وأعلامها، وأبصر المغابر والوهاد والطرق الناكبة عنها فقد حصل له شطر السعادة والفلاح، وبقي عليه الشطر الآخر، وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافرًا في الطريق قاطعًا منازلها منزلة بعد منزلة فكلما قطع مرحلة استعد لقطع الأخرى، واستشعر القرب من المنزل فهانت عليه مشقة السفر، كلما سكنت نفسه من كلال السير ومواصلة الشد والرحيل وعَدَها قرب التلاقي وبرد العيش عند الوصول فيحدث لها ذلك نشاطًا وفرحًا وهمة فهو يقول يا نفس أبشري فقد قرب المنزل ودنا التلاقي فلا تنقطعي عن الطريق دون الوصول فيحال بينك وبين منازل الأحبة، فإن صبرت وواصلت السُرى وصلتِ حميدة مسرورة جزلة، وتلقتك الأحبة بأنواع التحف والكرامات، وليس بينك وبين ذلك إلا صبر ساعة، فإن الدنيا كلها كساعة من ساعات الآخرة.
وعمرك درجة من درج تلك الساعة فالله الله لا تنقطعي في المفازة, فهو والله الهلاك والعطب لو كنت تعلمين، فإن استصعبت عليه، فليذكرها ما أمامها من أحبابها، وما لديهم من الإكرام والإنعام وما خلفها من أعدائها، وما لديهم من الإهانة والعذاب وأنواع البلاء، فإن رجعتْ فإلى أعدائها رجوعها، وإن تقدمت فإلى أحبابها مصيرها، وإن وقفت في طريقها أدركها أعداؤها فإن وراءها من الطلب ولا بد لها من قسم من هذه الأقسام الثلاثة فلتختر أيها شاءت، وليجعل حديث الأحبة حاديها وسائقها ونور معرفتهم وإرشادهم هاديها ودليلها، وصدق ودادهم وحبهم غذاءها وشرابها ودواءها, ولا يوحشه انفراده في طريق سفره ولا يغتر بكثرة المنقطعين فألم انقطاعه وبعاده, واصل إليهم دونه, وحظه من القرب والكرامة مختص به دونهم، فما معنى الاشتغال بهم والانقطاع معهم وليعلم أن هذه الوحشة لا تدوم، بل هي من عوارض الطريق، فسوف تبدو له الخيام، وسوف يخرج إليه المتلقون يهنئونه بالسلامة والوصول إليهم, فيا قرة عينه إذ ذاك ويا فرحته إذ يقول: (يا ليت قومي يعلمون) طريق الهجرتين 231.
تعليقات