كلما هلَّت علينا ذكرى السادس من أكتوبر، تتوارد على الأذهان أسئلة عديدة، تدور حول هل ممكن تكراره؟وعلى أي أساس سيكون ذلك ؟
في ذات الوقت الذى تنزع جيوشنا العربية من عقيدتها : العقيدة الدينية بحجج سمجة كالسلام والوئام، وتصاغ لها عقيدة جديدة مبنية على الولاء الأعمى للأنظمة، حتى شهدنا الجيش المصري في عرض من عروضه العسكرية يتخذ من المسجد هدفاً للاقتحام، وكأنهم يزرعون في عقيدة الجنود العدوان على العقيدة الدينية بانتهاك حرمة المساجد.
وبالفعل أصبحت المساجد في سيناء هدفاً مستباحاً فحرقت وقصفت بالمدافع، وأصبحت المظاهر الدينية وظهورها سبباً لاقصاء الضباط والمجندين عن الجيش.
ولكن تبقى الإجابة واضحة وهي أن عقيدتنا الدينية أساس النصر، وعنوانٌ له، وهذا ما فعله الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب الجيش المصرى فى السادس من أكتوبر الذى عَنْوَن ذلك في كتاب وزَّعه على جنوده يحفزهم على القتال فى سبيل الله بنبرة إيمانية واضحة المعالم تبعاً لديننا الحنيف ( لا أظن أنها كانت قبله ولا بعده )
ومع زرع الإيمان كان سلوك طريق العلم والتدريب لتحقيق النصر عبر عدة محطات استعرضها في كتابه (عقيدتنا الدينية أساس النصر).
فراح الشاذلي يؤكد هذا المفهوم عبر سياحة فقهية وعقدية في 80 صفحة احتوت على 22 فصلًا تُحرر هذا الأمر وتؤكده وجاءت على التوالي : «العقيدة الدينية، العلم أساس القوة والرقي، الحرية والكرامة الإنسانية، تربية النفس، الانضباط الذاتي، الطاعة، القيادة، والتعاون، الإخلاص في العمل، التدريب على السلاح، التربية البدنية، الحذر ودرجة الاستعداد العالية، الأمن والسرية، الإخلاص في الحرب والثبات في الميدان، مقاومة الأعداء في الميدان، دور المرأة في المعركة، عقيدة الجهاد في سبيل الله، الصبر في الجهاد، التحكم في التذبذب العاطفي، النصر أو الشهادة، بشرى النصر على أعدائنا، ثم الخاتمة.
الحرية والكرامة
وأهم محطة نتوقف عندها هي أن الشاذلى أكد مفهوم (الحرية والكرامة الإنسانية) في الفصل الثالث بعد العقيدة والعلم ، وهذا يبين لك كذب ودجل العسكريين الذين يرسخون الذل بالعبارة الشهيرة التي يعرفها مَنْ أدى الخدمة العسكرية : (أول لما تدخل الجيش حط كرامتك على البوابة) .
و الشاذلى رحمة الله عليه كأنه يقول لجنوده: ( أنتم آدميين لكم حقوق وكرامة وعزة وأنتم أحرار ولستم عبيدًا إلا لله)، وهذه روعة القائد الذي يستحق النصر ..
علاوة على ( 41 ) توجيهاً تبين طريقة أداء الجنود لمهمامهم القتالية خلال حرب أكتوبر 1973م .
أساس النصر
صنع الشاذلي بالعقيدة الدينية عندما جعلها أساس النصر ما لا يمكن تصديقه، ولم يصح أبدًا ما أُشيع أن الخطة كانت موضوعة من أيام جمال عبدالناصر بعد هزيمة 1967، لأنه هناك فَارقٌ بين مَنْ حارب العقيدة الدينية تحت دعاوى الإشتراكية والقومية الزائفة وأهان كرامة المصريين في السجون والمعتقلات، وبين مَنْ أدرك الخطأ ووضع يده على مكمن النصر.
فتحول جيش 1967 المهزوم الهارب دون سلاحه، المتفكك دون قياداته، إلى جيش منتصر قادر على عبور قناة السويس وتدمير أسطورة خط بارليف المنيع.
وبعد أن كانت ميكروفونات الجيش تجعجع ليل نهار، بأغانى (الست) وحفلات الرقص والهلس بحجة الترفيه عن الجنود، تحولت إلى خمسين وحدة صوت تنادى (الله أكبر) ودوَّت حناجرُ الجنود بها على امتداد جبهة القتال، لتصنع نصرًا مؤزرًا بعقيدة دينية راسخة.
لكن سرعان ما تلقفتها يد الغدر باتفاق كامب ديفيد المشؤوم، وأصبحت عقيدة الجيش المصري أبعد ما تكون عن النصر وأسبابه.
حاجتنا لقائد مؤمن
إن ما ينقصنا اليوم القيادة العسكرية المحنكة صاحبة العقيدة الاسلامية الصحيحة، وإن كانت الظروف العصيبة والاستثنائية هي التي سنحت بتواجد سعد الدين الشاذلي، فإن هذه الظروف لم تنته بعد بل مازالت في استمرار.
واليوم نحن في أشد الاحتياج لقائد مؤمن مثل (سعد الدين الشاذلي) وعبقريته العسكرية الممزوجة بأصالته الدينية، وسط ما نعانيه من حالات التعثر الشديد والهزيمة الساحقة في كل المجالات.
ومصر وغيرها من دول الإسلام والعرب ليست عقيمة عن ولادة الألوف المؤلفة من أمثال الشاذلى بل وأفضل.
وسيظل الدرس الذي علمه لنا التاريخ من قبل ومن بعد الشاذلي واضحًا لكل مُخلص وهو كما قال الفاروق عمر: ( نحنُ أمةٌ أعزها الله بالاسلام فإن ابتغينا العزةَ في غيره أذلنا الله)، فعقيدتنا الدينية هي أساس النصر ومكمن النهضة والتقدم
تعليقات