حتى لا نُسوِّد صفحاتٍ كثيرة، وسطورٍ عديدة من غير طائل، فخلاصة ما نختلف حوله - سواءً راعينا أدب الخلاف فيه أم لم نراعه - ينحصر أغلبه فيما أظن في جواب هذه الأسئلة الثلاثة الآتية :
** الأول : هل يجوز لنا ولكل الواقع من حولنا الخروج عن المذاهب الأربعة المتبوعة في التفقه والتعبد والفتيا ؟!!
** الثاني : هل يجوز لأي شيخ معاصر - كائناً من كان - في الخمسين سنة الأخيرة خصوصاً، أو أي طالب علم أن يُفتي ويُدرِّس ويحكم - من غير ضرورة - بغير أهلية الإجتهاد في مذهب من المذاهب الأربعة المتبوعة، أو بدون أهلية الإجتهاد المطلق فيها جميعاً ؟!!
** الثالث : وهو سؤال مهِمٌّ متفرعٌ عن السؤالين السابقين وهو : هل يُعلم يقينا أن أحداً من الشيوخ المعاصرين كلِّهم، في الخمسين سنة الأخيرة - دعك من الشهرة والهالة والجلالة ونحو ذلك مما يُقدًّر ويُحترَم قطعاً - أقول : هل يُعلم أن أحداً حاز مرتبة الإجتهاد بالمعيار السلفي المتوارَث ؟! سواءً الإجنهاد المذهبي على أحد المذاهب الفقهية الأربعة المتبوعة على مدى اثني عشر قرناً، أو الإجتهاد المطلق فيها جميعاً، حتى يُؤتَى ويُستفتَى عن أهليةٍ وجدارة واستحقاق، لا بالحُبِّ والعاطفة وحسن الظن الغافل تارة والمستغفل أخرى ؟!! أقول : هل يُعلم ؟!!
وتأمل جيداً قولي : هل يُعلم، ولا أقول هل يوجد، لأنه ربما وجد ولكن لا يُعلم فيصبح وجوده كعدمه، لأن المُعوَِّلُ عليه هو العلم بوجوده لا على مجرد وجوده، فلو وُجد الأستاذ الدكتور في تخصص طبي ما، ووُجدت عيادته في مدينةٍ ما، ووجدت يافطته على شرفة العيادة فقد عُلم بوجوده، فيأتيه حينئذٍ أصحاب الحاجات في ذاك التخصص، وإلا لم يأتوه ولم تُسدُّ حاجاتهم، إذا لم يُعلم بوجوده بالأسلوب المعهود عن طريق العيادة واليافطة وغير ذلك، فالإنتفاع بالمجتهد يحصل حصرياً بأمرين لا يفترقان :
* أولاً : وجود المجتهد مستوفياً للعلوم والشروط والأدوات كما هي في أصول المذهب الذي يجتهد من خلاله .
* ثانياً : العلم بوجود المجنهد عن طريق تزكيات المجتهدين السابقين له ببلوغ مرتبة الاجتهاد والفتيا، أو عن طريق الهيئة المتخصصة بالشهادة للمجتهدين بها !!
فإن كانت الإجابة الصائبة والصادمة في نفس الوقت، هي النفي في كل ذلك، وهو - أعني الجواب بالنفي على الأسئلة الثلاثة - مما لا يختلف عليه متفقِّه فيما أظن، فيلزم الخروج عن ميراث السلفية الوهابية المعاصرة، التي اعتمدت الأوهام والعواطف والأخذ بالتشهي كموازين للتفقه والتعبد دون منهجية الأئمة والسلف، واعتمدت قبلَ ذلك وبعده وأثناءَه المصالح الشخصية حسب الهوى، وموالاة الطواغيت والصدور عنهم في العلم والعمل والدعوة والفتيا، مما لاتنكره عين المتابع لا واقعاً ولا تاريخاً !!
ومن ثم يلزم العودة الحثيثة لمناهج الأئمة في ذلك، من باب توسيد الأمر لأهله، وأخذ الخبز من الخباز لا من السمكري، ويلزم الأخذ منهم أو من أيهم، دون من خالفهم وخرج عن مذاهبهم - كائناً من كان - وإن عذرناه واحترمناه وقدَّرنا فضله وجهده، ما بعُد عن الريبة والخيانة وموالاة الطاغوت، كشيخ الإسلام بن تيمية قديماً، والشيخ الألباني حديثاً رحمهما الله تعالى على سبيل المثال لا الحصر !!
تعليقات