تحمل الكثير من دور النشر عداوة شديدة لكل ماهو إسلامي ولعل هذا سر تمويلها، وخاصة الاسلام السياسي كما يحلو لهم تسميته، ومن هذه الدور المشهورة دار "الساقي"، ولا غرابة أن على رأس العداوة المسلحين منهم أو من يتبنى منهجا جذريا في التعاطي مع الواقع، وللدار اهتمام بهذا التيار جدا.
وقد طبعوا كتابا مشهورا في هذا وهو "القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب" للكاتب كميل الطويل.
والذي له قصة عداء طريفة مع أبي مصعب السوري في لندن بعد اتهام الصحفي للشيخ بأحداث مدريد، فرفع عليه قضية واستطاع الشيخ الحصول على تعويض كبير منه.
وهي نفس الدار التي طبعت كتاب عبد الله أنس "ولادة الأفغان العرب" والذي يقف القارىء الناقد أمام عدة ملاحظات، يستحيل تجاهلها.
وأولها: توقيت الطبع للكتاب 2002 أي بعد سقوط الإمارة الإسلامية للطالبان، واستعداء الأمريكان للعالم عليهم في حربها التي بدأت في 2001.
فأرادت الدار –الساقي- أن تدلي بدلوها في هذا السياق العالمي، فاستدعت الكاتب لتبييض وجه أحمد شاة مسعود عدو الطالبان اللدود، والذي قتل على يديها كما يظهر.
ونحن لا نتهم الكاتب بشيء، فربما هو ساذج لا يعرف ما يفعل به، لكنه كما ظهر في الكتاب يناقض منهجه منهج ما اصطلح على تسميته بعد ذلك بـ "الأفغان العرب" في التعامل مع الأنظمة وفي العقيدة القتالية وفي الفقه الحركي واختيارات الواقع، فسياق كلامه طبيعي جدا بهذا الفهم.
ثانيا: عنوان الكتاب "ولادة الأفغان العرب"، فلم يذكر الكاتب أي شيء من هذا، فقط حكى تجربته الخاصة القصيرة والتي لا تعدو مقابلة بضعة أشخاص يعدون على الأصابع، فالعنوان مجرد إثارة لشد القارئ إلى الكتاب، وإلا فهي ذكريات شخصية لا أكثر.
ولا أنفي الإفادة منها فكتب المذكرات من أكثر الكتب إفادة وهي تعلمك السياسة عمليا، لكن الكتاب لا علاقة له بعنوانه للأسف.
ثالثا : بعض الأحداث التي ساقها الكاتب وتحتاج إلى تأمل مثل نفى الكاتب في بداية الكتاب صلته بما سماه المعارضة الشمالية للطالبان، وهذا مفهوم في ضوء ما قدم كلامه به في عدة أمور منها:
بعد سيطرة الطالبان على أفغانستان في 1996 تركوا لـ (قوات التحالف الشمالي) ثغرة صغيرة، تشبه "الصخرة" التي تركها المسلمون لما فتحوا الأندلس، ومنها بدأت ما سماه الأسبان بعد ذلك (حرب الاسترداد).
وتحالف الشمال الأفغاني Afghan Northern Alliance، رسمياً يعرف باسم (الجبهة الإسلامية المتحدة للإنقاذ في أفغانسان)، كانت جبهة عسكرية تأسست في أواخر 1996 بعد سيطرة الإمارة الإسلامية الأفغانية (طالبان) على كابل.
وهذه الجبهة المتحدة كانت ممثلة بالقادة الرئيسيين في الدولة الإسلامية في أفغانستان، وخاصة الرئيس في المنفى برهان الدين رباني ووزير الدفاع السابق أحمد شاه مسعود.
في البداية كان معظم أعضائها من الطاجيك لكن بحلول 2000، انضم لتحالف الشمال قادة من جمعات عرقية مختلفة، منهم عبد الرشيد دوستم، محمد محقق، عبد القادر، السيد حسين أنوري وآخرون.
خاض تحالف الشمال حربا ضد حكومة طالبان، وحصلوا على دعم من إيران، روسيا، الهند، طاجيكستان وآخرين، بينما كانت طالبان مدعومة من القاعدة، والقوات المسلحة الپاكستانية فيما قيل، وكان معظم أعضاء تحالف الشمال من عرقية الطاجيك، لكن فيما بعد تضمن أوزبك، هزارة، وپشتون.
هممن أكثر الخونة مساعدة للولايات المتحدة في غزو أفغانستان "قوات تحالف الشمال"، و بعد غزو أفغانتسان وتأسيس إدارة كرزاي في أواخر 2001، انحل تحالف الشمال وتشكلت منه أحزاب سياسية مختلفة.
رابعا :الكتاب يكاد يكون كله في مدح "مسعود" وذكر دوره في الحرب الأفغانية ضد السوفييت، حتى ذكر الشيخ عبد الله عزام جاء في هذا السياق، فهو تطعيم بنقولات من الشيخ في "مسعود" والثناء عليه.
ولا خلاف أن أحمد شاه مسعود شخصية قيادية تستحق الدراسة والإفراد بالذكر، وقد أثنى عليه أيضا أبو مصعب السوري في هذه النقطة في "شرح حرب المستضعفين ":
(كانوا يقولون أن أحمد شاه مسعود لا ينفذ أي هجوم إلا بتحضير قبله بخمسة أشهر، وفعلا كان قائدا ناجحا، وهو الوحيد الذي استطاع صنع كتلة إلى الآن تقاتل معه، مع أن قوته لا تشكل شيئا الآن بالنسبة لقوة الطالبان والقوى الموجودة في أفغانستان والفضل الوحيد الذي عنده بعد قدر الله تعالى أن الرجل منظم، وعقله منظم، لما تسمع عملية استرداده لكابل وخطته= عملية مضحكة، فقط إنسان فاهم وعقليته منظمة ويبني قراره على معلومات، ولما نتكلم عن المؤسسات وطريقة وضع المخطط وطريقة اتخاذ القرار ستجد كل هذا فيها، وأنها فعلا بذل جهد تحضيري وضروري ومنظم، قبل إمكانية افتتاح أية حملة من حملات حروب العصابات).
وقال أيضا عن عقلية الرجل المتجاوزة إدرايا:
(وهذا عمله هنا أحمد شاه مسعود واستثمر حتى بعض المناجم، وكان عنده بعض مخططات الزراعة، كل هذا في مرحلة مبكرة من قتال الروس، ولسة الناس هنا قائمين على نظام الشحاذة، مع أنه كان يأتيه تبرعات هائلة جدا من الفرنسيين والإنجليز، ومرة تحدى العرب وأبرز لهم شيكات بعشرات الملايين من الدولارات، ولكن مع ذلك عمل اقتصاده وعمل لباسا موحدا وحاول يشغل معامل وأنشأ جيشا نظاميا وعمل إدارية).
والشيخ هنا يقيم الرجل في مستوى معين، لكنه يذكر أيضا ما سماه الشيخ بالخيانة العظمة في قوله:
(التسليم السياسي كان حلا وسطا وقبل به المجاهدون، وفوتوا فرصة رائعة في تدمير القوات السوفيتية، فكان من شروط الخروج مع المجاهدين وتولى أحمد شاه مسعود ومعه قادة الأحزاب هذه الخيانة التاريخية أن سُمح للقوات السوفييتية بالخروج، مروا من وادي بانشير ومن ممر سمند بأمان واطمئنان وسُحبت كل المدرعات، وخرج الجيش الأحمر من أفغانستان خروجا مشرفا لا يتناسب مع الهزيمة العسكرية الساحقة التي تعرض لها.
كان من الممكن أن تؤخذ كل هذه الأسلحة غنيمة، صواريخ سكود وطائرات ودبابات ومدرعات، خرجوا مبجلين وحُرسوا من قبل قوات المجاهدين، وخروجوا تنفيذا لاتفاق خروج الروس من أفغانستان، وقالوا: هذا كسب عظيم جدا لأننا سننفرد بالحكومة الآن، ولم ينفردوا بالحكومة وطالت المعركة بعد ذلك أكثر من سنتين أو ثلاثة حتى سقطت كابل.
فهذه خيانة عظمى نتيجة قبول حل وسط، ظن الثوار حينها أنهم حققوا نصرا عظيما جدا، كان من الممكن أن يأخذوهم جميعا أسرى وسجناء، ويفتحوا بهم ثغرات الألغام في المناطق التي تركوها).
وهذه هي النظرة الكلية الجامعة، قد يجتمع في الرجل الواحد وصفان متخالفان، فقد يكون قياديا فذا لا يبخس حقه في ذلك، لكنه مع ذلك قد يكون له كبوات وجرائم تعجز قيادته الفذة عن حملها وتسقطه.
وقد يكون بدأ حياته مخلصا، وانقلب وانتكس وارتكس بعد ذلك.
خامسا :الكاتب يركز طيلة الكتاب على الجانب الأول فقط، حتى لتشعر أن مسعود جنرال ملائكي جادت به السماء في لحظة غفلة من أهل الأرض! ولم يتعرض قط لنقده أو ذكر أي شيء يؤخذ على الرجل.
سادسا: أيضا مما ذكره وهو غريب جدا ولا أدري ما وجهه عند الكاتب، أنه ذكر أن عدد الأفغان العرب لم يتجاوز الألفين، وهذا رقم غريب جدا، فجل من أرّخ لهذه التجربة ذكر أنهم آلاف كثيرة وصلت إلى أربعين ألفا في تعداد الكثيرين.
سابعا: نقطة مهمة تؤخذ على الكاتب وتوخذ أيضا على الشيخ عبد الله عزام رحمه الله، والكاتب ما تشربها إلا من الشيخ، وهي عدم الاعتناء بالتوجيه السياسي والمعنوي والتربية العقدية والتعبئة السياسية في الأحداث المعاصرة، فقد كانت للشيخ رؤية في ذلك ثبت خطؤها المحض وضررها المميت.
وقد أبدع أبو مصعب في شرح هذه القضية وذكر أن الشيخ عبد الله بنى موقفه في قضية السعودية على أن هناك إمدادا بالمال والرجال والعتاد، ثم لأن الرجل كان طيبا أكثر من الحد المطلوب، في لعبة سياسية قذرة بهذا الشكل. فقال:
(أقول هذا الكلام الذي يقوله أن الناس مستهينين بأهمية التوجيه السياسيي والتعبوي، واكتشف النخبة في الآخر أنه كان خطأ قاتلا ونحن هنا في القواعد والمعسكرات كانت هناك أوامر صارمة من أصحابها غفر الله لنا ولهم بحسن النوايا، أن التوجيه السياسي والعقدي في القتال يسبب لنا إرباكات جانبية ضد مصلحة القتال بجانب الأفغان.
فكان الشيخ عبد الله عزام رحمه الله يقول، وأنا لما أذكر خطأ فحتى نستفيد منه، وأكرر ما قلته أني أذكر خطأ رجل اجتهد وله أجر في خطئه، بينما نحن نأثم لو كررنا الخطأ، مفهوم؟
كان يقول في خطبة جمعة: يريد مني فلان وفلان أن نتكلم في الحكومة السعودية، وماذا نستفيد من الكلام في الحكومة السعودية؟ من أين تأتي الخيام وتأتي الأموال ونطعم الجياع إذا كنا نحن نسمع كلام جنابه، ونجعل حديثنا الأساسي: قالت السعودية، وكفرت السعودية، وعملت السعودية؟
هو الرجل عامل حسابات بتصوره أن دفع مفسدة أعظم بمفسدة أصغر، أنه أنا الآن أتكلم عن السعودية فلا أستطيع أن أجند ولا أحشد ولا آتي بالأموال؛ لأن الكلام في السعودية صار عبئا بالنسبة لمعركته هنا، يعني لا أريد أن آخذ الحديث في المنحى العقدي والقضية، وإن كان لا شك أن في طياته شيئا من هذا الخطأ، ولكن أقول أنه حصل توجيه عام: لا تتكلموا في هذه المسألة، من كل الجوانب، وفي كل المستعمرات: لا تتكلموا في السعودية.
السعودية هي التي نحرت الجهاد الأفغاني والعربي، ولا أريد أن يفهم علي غبي أني أطعن في الشيخ عبد الله عزام رحمه الله، من أحب الناس إلي، بل أعتبر أننا سائرون على قدمه وأننا بعض فضله رحمه الله، ولكن الرجل اجتهد في اجتهادات فأخطأ وأصاب مثل كل البشر، فلما نضرب مثالا عرضا في قضية مثل قضية تشبيهه للقيادات الأفغانية بأنهم بين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، كان خطأ، ودُفع ثمنه باهظا لما جاء هذا عمر بن عبد العزيز (مسعود) ودمر كابل بالصواريخ وقتل المسلمين.
فالشاهد هناك أخطاء يجب أن نستفيد منها حتى لا نكررها، وليس هذا طعنا على أصحابها، لأنهم كانوا رجالا عاملين مجتهدين في حينها، فأرجو أن يكونوا بين الخطأ المأجور بأجر، أو الصواب المأجور بأجرين، ولكن أقول أن هذا من الجهل السياسي.
ثم تطور الموقف لأن يقول: لا تتكلموا في المعسكرات على موضوع الحاكمية برمته، وليس على موضوع دولة بعينها، ثم لا تتكلموا في العلماء، ثم لا تتكلموا ضد الحركات الإسلامية التي تحاربنا جهارا نهارا، ثم ثم ثم.
ففي الآخر فقدنا أساس التنظير المنهجي لتعبئة ناس مقاتلين عقائديين، فماذا كانت النتيجة؟
أن أكثر من أربعين ألف شخص تدربوا في أفغانستان، بقي منهم في الجهاد، سواء هنا أو في كل الدنيا ما لا يجاوز ألف شخص، و39 ألف شخص، فيهم نسبة ذهبت إلى المخابرات المعادية، ونسبة توزعت في الجيوش المعادية، ونسبة أصبحوا من تلاميذ العلماء الذين يحاربوننا جهارا نهارا بسلاح الفتوى الذي هو أمضى من أسلحة الدمار الشامل، ونسبة كبيرة جدا عادت إلى بيوتها فعافست النساء والأولاد وخرجت من كل المسألة).
ومن الضرر الكبير الذي حصل من جراء هذا المنهج هو انهيار العمل كله بموت الشيخ عبد الله عزام رحمه الله، قال أبو مصعب:
(المثال الآخر الذي أضربه الشيخ عبد الله عزام والتجمع العربي في أفغانستان، قُتل الشيخ عبد الله عزام فانفرط كل شيء، حتى النخبة التي هي مكتب الخدمات أقبل بعضهم على بعض يتقاتلون، ليه؟ لأنه ما في منهج يربط الناس، ما في فهم لطبيعة المعركة).
(وصلنا الآن إلى حالة أقرب إلى ايش؟
إلى المؤسسة, مؤسسة اقتصادية ولا مؤسسة دعوية ولا مؤسسة عسكرية، كلها تدور وقائمة على طريقة النواة والإلكترونات، نواة مركزية تشد إلكترونات إليها بفعل كهربائي ثم الناس تتحرك بدون ما تعرف، وتسأل في كل تجمع من التجمعات لو اغتيل القائد؟! أغلب الإجابات تضحكك.
لا يعرفون أنه لما اغتيل الشيخ عبد الله عزام مئات الشباب العرب لم يجدوا من يعطيهم فقط تذكرة يرجع إلى بلده، فقط تذكرة لم يجد).
ثامنا: كذلك من الغرائب التي ذكرها الكاتب (محادثة مسعود مع حكمتيار علي اللاسلكي)، فالمحادثة عليها علامات الصنع ولا يوثق بها، كلام الطرف الآخر وهو حكمتيار انفعالي جدا وقصير جدا، بينما كلام مسعود طويل ومرتب ومنظم وظهر وكأنه يبيع الدنيا وفي غاية الزهد في الإمارة. بما تشعر معه أن المكالمة إما غير حقيقية، أو على الأقل بتر منها كلام حكمتيار وتم تنظيم كلام مسعود فيها.
هذا ليس ردا لشهادة الكاتب، بل تمحيص لها، فالرجل أسير من يعمل معه، وجماعة مسعود هم من أعطوه المكالمة، فالشك راجع عليهم هم لا هو.
أما باقي كلامه في مدح مسعود = فيؤيده كلام غيره من خصوم مسعود نفسه، كما نقلت عن الشيخ أبي مصعب عن عقلية الرجل المتجاوزة.
تاسعا: نقطة أخرى تؤخذ على الكاتب وتوخذ أيضا على الشيخ عبد الله عزام رحمه الله، والكاتب ما تشربها إلا من الشيخ وهو زوج ابنته، وهي عدم الاعتناء بالتوجيه السياسي والمعنوي والتربية العقدية والتعبئة السياسية في الأحداث المعاصرة، فقد كانت للشيخ رؤية في ذلك ثبت خطؤها المحض وضررها المميت. لاشك أن للشيخ المكرم أبي الجيل عبد الله عزام دورا غير منكر في التحريض والدعم المعنوي والترويج للقضية الأفغانية إلخ، لكن ذلك لا يعني أنه معصوم أو أنه كان بلا أخطاء.
وهناك من يعترض بأن الشيخ أسامة كان يسير في هذه الفترة على خطى الشيخ عزام ويتلقى دعما من بعض الأمراء أيضا، فأقول: أما عن الشيخ أسامة، فلم يكن في ذلك الوقت كما هو بعد عشر سنين ولا بعد عشرين، كان شابا سعوديا يجل مشايخ السعودية وحكومتها، وفي طوره الثاني ورسائل المناصحة مع الحكومة تحول الشيخ عما كان عليه في أفغانستان وبدأ يغلط للحكومة وللمشايخ، وقد كتب الشيخ أبو مصعب كتابا عن هذه الرسائل معلقا عليها وهو "شهادة قادة المجاهدين ورؤوس الإصلاح والمعارضة في بلاد الحرمين على علماء السلطان في بلادهم المسماة (سعودية)". ثم تطور الشيخ أكثر من ذلك وخطا خطوات أبعد.
المهم أنه في فترة أفغانستان كان غيره أوعى منه بكثير، وقد اعترف الشيخ بذلك فيما بعد، ففي فيديو مصور له بعد تلك الفترة وأيام فترة الطالبان ذكر أنه كان من المخدوعين في بعض الشخصيات الكبيرة، غالبا يقصد سياف، وصوب كلام مصطفى حامد فيه وإن لم يصرح باسم الأخير. فهناك من كان أوعى من الشيخين الفاضلين بألاعيب السياسة وقذارة الحكومات وخطر التمويل ودوره وحدوده ومدى ما يمكن أن يفعله، وليس هذا طعنا فيهما، بل وضع لكل شيء في قدره.
والأربعون ألفا من العرب الذين ذهبوا هناك لم يتلقوا أي تثقيف سياسي وتوجيه معنوي كما عند كل جيوش العالم، فالجيوش تربي جنودها على عقائد قتالية تنشر على الملأ، تحدد من الصديق ومن العدو وضوابط حركتها إلخ، هذا كان مفقودا عند الكل ومنهم الشيخ عزام رحمه الله.
وإنما ذكرته لكون الكاتب يستدل به على صحة هذا الموقف، وذكره الشيخ أبو مصعب لأنه باشر هذا النهي من الشيخ واستاء منه فعلق عليه بعد أن رأى نتائجه المريرة. قضية التمويل من أهم القضايا المعاصرة والتي تحتاج لأن تفرد ببحث مطول عن حكمها وحالاتها وآثارها وضوابطها وكيفية التأتي معها، قال أبو مصعب عن تلقي الدعم الخارجي باستمرار، وعدم الاعتماد على النفس: (الدعم الخارجي يكون دائما: غير مستقر، ومشروط. فالاستفادة من التناقضات الإقليمية والثغرات بين الدول، والاعتماد على الأنظمة المعادية للنظام = يعتريه الوقوع كورقة لعب سياسية بأيدي المتصارعين الكبار وهذا ما حصل بالضبط).
وهذا ما حصل بالضبط. وقال أبو مصعب أيضا: وقادة الأحزاب قد تربوا على عينها، منذ عهد "بوتو" وهو ثابت في السياسة الباكستانية، الذي استقبل حكمتيار هو "بوتو" قبل ضياء الحق، وورثه ضياء الحق من "بوتو" واستعمل معه نفس السياسة، والآخرين رباني وغيره، هذا محور ثابت في السياسية الباكستانية، بصرف النظر عن من يحكم الباكستان.
(هؤلاء كانوا تابعين لرغبات الممول قبل أن يكون هناك جهاد أصلا. وقال أبو مصعب أيضا: (أن العصابات إذا كانت بنت بنيتها على مصادر مالية خارجية ودعم منتظر مما نسميه "سياسة الإغراق المالي"، أي أن تقوم جهات أخرى بعملية إغراق للعصابات، يغريها هذا الدعم بتوسيع قواعدها، وتوسيع تسليحها، وتوسيع دائرة العمليات، اعتمادا على هذه المصادر المالية = فإن هذه المصادر ستقدم لها نصائح في البداية بدون قيد وشرط، فتعودها على قبول النصائح، ثم تقدم لها نصائح مشروطة، ثم تقدم لها طلبات بدون قيد أو شرط، ثم تقدم لها طلبات مشروطة، ثم تأخذ منها المعلومات التكتيكية والعسكرية، ثم تملي عليها انحرافات منهجية، ثم تقضي عليها، كما حصل بالضبط في أفغانستان.
وهذه بعض ملاحظات لقراءة سريعة لهذا الكتاب وإلا فالكتاب عليه الكثير منها، والتي لا تسلم لمتفحص أو قارىء مدقق.
Comments
أين المقال؟؟
الحين ظهر... جزاكم الله خيرا على الجهد المبذول