وقت القراءة: 3 دقائق/دقيقة (691 كلمات/كلمة)

في الغرب إسلام بلا مسلمين! (1)

images-2

تداعت إلى ذاكرتي هذه المقولة وأنا أتابع بعض أخبار الدول الغربية جراء أزمة كورونا، وما طفا على سطح هذه الدول سواء على مستوى بعض الأنظمة من قرصنة لمواد طبية وغيرها، أو على مستوى بعض الشعوب وما أصابها من لوثة جنون حتى تدافعت بقوة أمام المحال التجارية وغيرها، وليس هذا مقصودي من المقال فقد حدث ذلك أو بعضه في دول عربية وإسلامية، ولكن مقالي هذا للوقوف مع هذه المقولة مجردة من الأحداث الأخيرة، ووضعها على الميزان من ناحية حقيقتها، خاصة وأنها صارت تمثل جزءا من الوعي الجمعي الإسلامي..

(في الغرب إسلام بلا مسلمين)! لا شك أن هذه المقولة تؤدي إلى إشكاليات ضخمة، سواء على مستوى الفهم والإدراك، أو على مستوى التنفيذ والتطبيق..


فالإسلام دين كامل ومنهج حياة، يقوم أساسه الرئيس على تعبيد الخلق لله وإفراده بالوحدانية، وقد جعله الرسول –صلى الله عليه وسلم- شعبا تجاوزت الستين أو السبعين على اختلاف الروايات، وأعلاها هذه الشهادة بالوحدانية، ثم يعقبها شعب أخرى تكبر أو تصغر ولكن داخل هذا الإطار الذي يغلفها من منطوق الشهادة ولفظها..

فإن أتى إنسان ببعض هذه الشعب دون الإطار الرئيس فقد قام بأداء بعض القيم الأخلاقية التي دعا إليها الإسلام، ورغم ذلك قد يكون إتيانه لهذه القيم يخالف مقصود الشارع في الإسلام، فلا تنسب هذه القيم إلى الإسلام، كأن يحقق العدل بإعطاء الرجل والمرأة نفس الحق في الميراث، وهذا العدل الأرضي مخالف لمفهوم العدل عند صاحب الشريعة في بعض الحالات المنصوص عليها في كتب الفقه.

ولذا فهذه المقولة اختزلت الإسلام في بعض المظاهر الأخلاقية، والتقدم العمراني! وهذه المعايير لا يمنعها الإسلام ولكن يضعها في سلمها من الأولويات، بل إن الحضارة الفرعونية الضخمة والتي مازالت تقف شامخة بنيانها حتى الآن، حكم الإسلام على أصحابها وقومها بورود النار وبئس الورد المورود.

فالإسلام نفسه أعلن أنه جاء متمما لمكارم الأخلاق، ولكن لم يعلن أن أمر الجاهلية فيه إسلام بلا مسلمين لتوفر بعض هذه الأخلاقيات، ولكنه جاء بتشريعه المتفرد، وقدم بشريعته الغراء الشاملة، التي تشمل أمور الناس في حياتهم ومعادهم، ولم يقبل أن يأخذه أتباعه مجزأ، بل كان النداء للفئة المؤمنة واضحا صارما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) البقرة : 208


فمحاولة حصر الإسلام في بعض المظاهر الأخلاقية هو انتقاص واضح لهذا الدين، الذي جاء لصياغة البشرية بصبغته، وتعبيدها كلها لله، وأعمق مظاهره، وأهم مشاهده تتمثل في الكفر بالطاغوت أيا كان، وتحرير البشر كل البشر من عبودية البشر إلى عبودية رب البشر.

وعندما كان هذا المفهوم واضحا لدى الصحابة رضوان الله عليهم، لم يفتتنوا بحضارات الغير، والتي رأوا فيها ما لم تره عينهم قبل ذاك، فقد سيطر عليهم شعور العلو بما لديهم من منهج رباني يتسامى بهم فوق كل المناهج، وبما يحملونه من رسالة عليّة تهيمن على كل الرسائل، فوقف أحدهم أمام الحضارة الفارسية في أبهتها وصولجانها، فقال بلسان الواثق من منهجه، المعتز بدينه:

"إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله "، فقال " رستم " وما موعود الله "؟، قال: " الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى".

بهذه العزة الإيمانية، وبهذا التجرد الكامل للمنهج القويم سادوا الأرض في عقدين من الزمان، وحملوا حضارتهم إلى بقاع المعمورة، وجردوا الإنسان من عبودية أرباب الأرض، وحرروهم إلى عبودية الله رب السموات والأرض.

وهذه العزة استمدوها من التربية النبوية، التي جاءت والعالم تقتسمه حضارات أربعة، الرومانية والفارسية والهندية والصينية، فلم يقف منها موقف الضعيف المنبهر المغلوب على أمره، بل وجه خطابه لأصحابه مبينا عظمة المنهج الذي يحملونه، كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك..).

وهي هي نفس العزة التي غرسها فيهم كتاب ربهم، والذي خاطبهم في أحلك اللحظات، وأصعب الأوقات، وقد أحاطت بهم هزيمة أحد، وسال دم نبيهم، واستشهد سبعين من كبارهم، فجاء القرآن كالبلسم الشافي الذي يخالط شغاف القلوب (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران 139..
فأنتم بما تملكون من الإيمان الأعلون؛ الأعلون منهجا وبيانا وفهما وإدراكا للوجود وسره.. فبهذه العزة الإيمانية المنبعثة من الانكسار لله وعبوديته تربى جيل الصحابة رضوان الله عليهم..

ولكن يبقى السؤال: هل الجانب الأخلاقي الذي تحمله الحضارة الغربية هو ما أراده الإسلام؟

هذا موضوع مقالنا القادم بإذن الله..

مشاهد ومساخر من مسرحية عجل 30 يونيو
علمني موسى " عليه السلام"
 

تعليقات

لا تعليق على هذه المشاركة بعد. كن أول من يعلق.