الحركة السلفية حركة إحياء ورجوع إلى منبع الأمة الأصيل من فهم وتقرير وعمل، وهدفها هو أسمى الأهداف، وشعارها هو أنبل الشعارات: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها).
وقد سار في ركابها أنبل الرجال، وأشرف من في الأمة من علماء واتباع ومؤيدين.
وفي نفس الوقت استهدفت الحركة من قبل المتسلقين والمنافقين والمعادين لها بالتشوية والحرب الإعلامية واختراق صفوفها فكريا وأمنيا.
وروجت مسلمات لم تكن أبدا من أصول منهجها واضهد الصادقين وأبرزت أجهزت الإعلام -المسيرة من مخابرات دول بعينها- من ليس منها؛ تغريرا وتبديلا لمسيراتها.
فأصبح من الصعوبة بمكان أن ترصد كل الظواهر الناتجة عن الحركة السلفية سواء سلبية أو إيجابية بعد دخول الدخن على خيرها، فأصبحت كالشفارات القاطعة للحركة السلفية، وتعددت جروحها حتى أذهبت ريحها.
ومن أبرز هذه الشفرات المؤلمة للحركة السلفية المعاصرة :
ولا يخفى على أى طالب علم ولو مبتدى هذا الأمر، فمحاكاة الشيخ حتى فى لزمات كلامه أصبح معلوما.
لكن تحول الأمر لمجرد المحاكاة الشكلية في كل صحيح وخطأ؛ حول هذه السمة الحسنة إلى شفرة من الشفرات القاطعة، خلطت بين الحركة والمنهج .
إذ أن المنهج له ضوابط واضحة هى أقرب السبل الى الحق، أما الحركة فقد تخرج عن المنهج وتعاديه، بل وتدعى زورا أن هذا المسلك وبكل بساطة (ليس من منهج السلف ).
على سبيل المثال الواقعي : القول ببدعة (الإنقلابات) العسكرية و التى كانت ديدن الكثير من مشاهير الحركة السلفية ومشايخها فى السنين الماضية، إختفت بمجرد الإنقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة فى مصر ولم نسمع واحد من الذين صدعونا بالتحذيرمن هذه البدعة -على حد زعمهم- يتكلم فى حق السلطة فى مصر.
بل طرحت مسائل من باب الجدال في السياسة الشرعية المخترعة الجديدة مثل ( مرسى رئيس أم حاكم) إنتهت بمجرد صعود العسكر وأبدلوها بالنظر فى المألات والمفاسد والمصالح وأن المنقلب متغلب وله السمع والطاعة وعبارات طنانة ورنانة لا يأتي من ورائها إلا ضياع الوقت فى مناقشات فلسفية.
والحقيقة الواقعة أن من قاد الانقلاب في مصر هم العالمانيين وكانت دعواهم لمحاربة الإخوان ما هي إلا ستار لمنع انتشار الدعوة الإسلامية ولو من أقل فصائل الحركة التزاما، والحيلولة دون وصول حاكم مستقل عن التبعية، وهذا الأمر لا يخفى على ذي بصيرة حتى أن الدكتور محمود شعبان وهو أزهري سلفي لا إتجاه له قال هذا بالحرف في لقاء متلفز، وهذا كان الدافع لوقوف فئام من الحركة السلفية الأصيلة معالدكتور مرسي وحكومته.
ولو كان الأمر كما يدعون لكان بدعة الخروج قسمين: بدعة كفرية هى التى تأتى بسلطة عالمانية، وبدعة غير كفرية هى التى تأتى بسلطة تطبق أو تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية، لكن الصمت المطبق، يجعلك ترتاب من هذه الحركات وتدرك أنها (تقطع على المنتسبين لها الطريق الى حقيقة ونقاء وصفاء المنهج السلفى) .
وهذه المشكلة الحقيقية فى وجود مثل هذه الشفرة التي لا يميز فيها الاتباع بين الصحيح والسقيم و إتسمت بالحدة لدرجة تصل بأصحابها لمولاة الكافرين والمنافقين والوقوف في صف واحد مع أعداء الدين.
مخالفة لما استقر عليه قول فقهاء السلف على سبيل المثال : قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المصرية 4/508: ( أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفع فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان) وقال أيضاً: وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة وانه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم).
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في الإقناع 2/510 (الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم ويكون الجهاد حينئذ فرض عين).
وهذا هو معنى كونه فرض عين فلو كان يشترط له شروط صحة كوجود إمام أو إذنه لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين وهو ما لم يقل به أحد من علماء الأمة ولذا قال الماوردي: (فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين).
فأصبح أمر الجهاد يحتاج الى إمام غائب تماما كالشيعة لينعدم ويسقط كسقوط الجهاد عند الشيعة القدماء (وأقصد القدماء ) لأن نظرية ولاية الفقيه قضت على مسألة الإنتظار فى السعى للتمكين لحين نزول الإمام وتعطيل الجهاد لحين وجود الإمام.
فتحولت الحركة السلفية في حقبة زمنية من أن حماية جنبات التوحيد والدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض العيان وبيان لعلماء الإمة يفيد ذلك، إلى أن هذا العنوان بدعة وأن دعوة التوحيد تنفصل عن الدفاع عن أراضي المسلمين وتدافعات وردود توهت شباب الحركة.
في نفس الوقت الذي دفع مجموعة من المتسرعين لإعلان خلافة بشروط الممتنعين من أرض وراية وقرشي النسب- كما يدعي- وتميز، ودعوا جموع المسلمين للإنضمام إليهم وأسقطوا شرعية كل من خالفهم.
وآل الأمرإلى لاجهاد صحيح ولا خلافة حقيقة، مع ضياع جهود وطاقات الحركة السلفية في تنظيرات لا طائل منها إلا تشتيت القوى والغياب عن الواقع الملموس.
فالعلماء في الأصل لا يحلون ولا يحرمون من تلقاء أنفسهم، ولكنهم يبينون الأحكام حسب ما يستنبطون من نصوص الوحي.
ولذلك أمر الله تعالى بسؤالهم فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.[ النحل:43]. وقال تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.[النساء: 83] وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. {النساء:59}.
وأولوا الأمر قال ابن عباس وجابر رضي الله عنهم: هم الفقهاء والعلماء الذين يعلِّمون الناس معالِمَ دينهم. وهو قول الحسن والضحاك ومجاهد. كما ذكر البغوي في تفسيره.
والواجب على المسلم الوقوف عند حدود الله تعالى، وإذا بين له الحكم الشرعي في أمر أو مسألة أن يقول: سمعنا وأطعنا، فهذه صفات المؤمنين كما جاءت في نصوص الوحي من القرآن والسنة.
ومتى ظهر الدليل وجب الأخذ به ولا يجوز العدول عنه، ولا عذر لأحد عند الله في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه، ومن فعل ذلك لزمته التوبة والرجوع للحق، وإن تعصب للباطل فأطاع المبطلين مع علمه بحكم الله لحقه نصيب من الذم المذكور في قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه {التوبة:31}. فعن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. رواه الترمذي وحسنه الألباني .
تعليقات