لا أدري كيف كان شعوري و صدمتى عندما قرأت مقال الأستاذ ايمن جاب مدير قناة الجزيرة مباشر على ساسة بوست والمعنون ب "في سبع سنين ...المثاليون يمتنعون"، والذي دافع فيه باستماته عن الفيلم التسجيلي المعنون بشطر المقال، وزاد تعجبي عندما بدأت في تفاصيل المقال، والذي خلى بدوره من أي نقاش مهني وتحول إلى طرح عاطفي.
- 1-بدأ أستاذنا الفاضل باستعراض دورقناةالجزيرة مباشر كدعم للربيع العربي وأنها لم تبخل في يوم من الأيام في توثيق ملاحم المناضلين.
ثم ساق تقرير عجيب ومسلمة فيها شية واضحة للناظرين وهي: أن في سبع سنين خنجر الثورة المضادة نفذ في رحم معسكر التغيير. جرح سمه اليأس، سمه الضياع، سمه الإخفاق في احتمال الهزيمة، سمه ما شئت، لكنه جرح أصاب قطاعًا تبين للمنصفين أنه ليس قليلًا في عدده ، ولا هزيلًا في وزنه. فأغلب المنكوبين به كانوا خيارًا من ظهور خيار. فإذا بعضهم يهوي في بئر العدمية أو الإلحاد أو العنف.
بحسب المقربين من أسر نشأت قرة أعينهم على الالتزام والفضيلة. وإن كان التغافل عن السفاسف فضيلة، فإن التجاهل للظواهر يحيل التغافل إلى تستر، فتواطؤ.
***وأنا لا أدري صراحة من أين جاء الأستاذ ايمن بهذه المسلمة التي ساقها في حين أن الإحصائية المقدمة عبر فيلمه تحدثت أن 4% من وقعوا في الالحاد و11% يؤيدون العمل المسلح كمنهج للتغير(وليسوا ممارسين له)، هذا على فرض صحة هذه الدراسة التي لم نعلم هل عيناتها عشوئية أم منتظمة؟ أم كيف تمت وعلى من وقع الاختيارلعيناتها؟ فهي مطعونة المصداقية، وتذكرني بعينات فرويد التي جعلت الحياة كلها محورها الجنس حتى الرضيع من ثدي أمه يريد اشباع جنسي؟
والعنف الذي ساقه الفيلم ياسيدي لم يكن عنف رجال الجيش والشرطة المنضمين لداعش، أو المتدعشنين في أقبية مباحث أمن الدولة وسلخانات التعذيب، لكنه كان الجهاد في سبيل الله ضد النظام النصيري، والذي افتى به الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، فليس من العدل أن تجمل الخروج من الملة بأمر الدفاع عن الملة أو سمه (الخروج على الأنظمة المستبدة)، وليس من العدل أن تضعهم في كفتي ميزانك الفيلمي، فليس شرع الله ألعوبة بيد معدي السيناريو، ولا الألفاظ الشرعية تقبل المزايدة فالصلاة تسمى صلاة ولا يجوز تسميتها حركات رياضية، والزكاة تسمى زكاة ولا يجوز أن نسميها التخلص من الزيادة والفائض المالي، والجهاد يسمى جهاد ولا يجوز أن نسميه عنفا، وإن التغافل عن اللعب بالألفاظ رذيلة فالنبي صلى الله عليه وسلم ذم من يسمون الخمر بغير اسمها، والتجاهل عن المصطلحات الموحية بغير الحقيقة تواطؤ.
- 2-ثم ساق الأستاذ أيمن جاب الله على غير عادة أهل الطريق مسلمة أخرى أخاف أن يقف أمام الله يوم القيامة خالي اليدين لو سٌئل عنها وهي: في سبع سنين كانت جلسات أنصار ما سمي بمعسكر الشرعية، تتداول هذه الظاهرة المتنامية كورم خبيث بأسى يعقبة مصمصة شفاه، ثم انفضاض سلبي تاركين أبناءها لمصيرهم المجهول.
وأنا أتحداك يا أستاذ أيمن أن تذكر ثلاثة جلسات تيقنت منها حتى يصح لك الجمع، وقد اتهمت أنصار الشرعية بأنهم تركوا أبناءها لمصيرهم المجهول، وأنهم وقفوا متفرجين ولم يحركوا ساكن عن قدرة، أما لو عن عجز فارحم القوم فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا توغر خنجر اتهامك في جسدهم المنهوك بالجراح ولا تعمم فان التعميم هلكه، ومن قال هلك القوم فهو أهلكهم.
- 3-ثم ساق الأستاذ أيمن أحداث قصة من الأدب العالمي("قصة موت معلن" وقائع جريمة قتل فى ريف كولومبيا 1951) يدلل بها على صدق توجه أصحاب الفيلم المشؤوم"في سبع سنين" فيقول: في سبع سنين كان الكل يعرف والكل يصمت كصمت شخصيات رواية (سرد أحداث موت معلن) لماركيز، حين آثرت قرية كاملة الصمت عن جريمة رد شرف كانوا متيقنين أنها ستحدث، رغم أن الرواية تقودنا في النهاية إلى أن القتيل تبين أنه بريء، لكن القرية كانت أحرص على طهر زائف من مواجهة واقع يذكرهم يوميًا بخطيئة تحيا بينهم دون ثأر.
ويبدوا أنه نسى أحداث القصة (فنصار) بطلها المقتول لم يدافع عن براءته أمام خطيبته (فلورا ميغيل)، وعندما حذره والدها من القتل الذى ينتظره، وعرض عليه البقاء فى بيته أو التسلح ببندقية للمقاومة؟!!، قال: "لستُ أفهم شيئاً مما تقول"! وعندما هاجمه الأخوان (فيكاريو) لم يصرح بأنه برىء مما يُنْسَبَ إليه.. بل قدمه لنا الروائى وكأنه راض بمواجهة مصيره.. وحتى بعد أن طعن عدة طعنات، وبقى حياً، سار وهو يحمل أمعاءه المتدفقة أمامه ليموت فى أرض مطبخه، لم ينبس ببنت شفة تنم على براءته.
ونحن لم نسكت ونداري ولن نسكت ونداري على أي عيوب انتابت الحركة الإسلامية على عكس تقريراتك وعلى النقيض من فهمك، ولم نعجز عن العلاج ولن يعجزنا الدهر طالما ندفع الحق بالحق وللحق، والأيام دول يا استاذي واذا أردت أن تكون إمامي وناصحي فكن أمامي وأري الله موضعك في الغيرة على شريعته .
- 4- ثم يردف الأستاذ أيمن كلماته بعبارة زعافها كاد أن يطبق على حلقي فيقول: وفي ربيعنا العربي وبعد سبع سنين جاء صناع الفيلم ليقولوا لنا إنهم كرهوا الصمت إلى حد تقيؤه.
- كرهوا التواطؤ بالسكوت عن ظاهرة لا ينكرها أحد مثلما أنه لا يتحرك لعلاجها أحد.
- وحين ألقى فريق سبع سنين بحجره في بركة الصمت الآسن تحرك الصامتون والمتغافلون والمثاليون ليوجهوا نيرانهم إلى جهاز الأشعة الكاشف للمرض عوضًا عن البحث عن علاج للمرض. ما أسهل التجريم الذي بلغ بالبعض إلى حد التخوين، بل التكفير، فهي مسكنات تسوغ لمتعاطيها الخلود في مضاجعهم بضمائر مخدرة. ما أيسر اتهام صناع الفيلم وشخصياته.
أنا لا أدري لما هذه اللطيمة طالما أن صناع الفيلم وشخصياته مبرؤن من كل عيب وطالما البيض الفاسد (الصامتون والمتغافلون والمثاليون) تجمعوا في سلة الكُره جملة واحدة، فما أسهل أن ترميهم في نياتهم وتشق عن بطونهم لتتهمهم بأنهم حاقدون لا يفهمون ولا يعون وإنما تحركوا لنقد فيلمكم المبجل والمنزه عن كل نقص بقصد خبيث، ولا أدري كيف طاوعتك نفسك أن تسوق هذه العبارات على منتقدي فيلمك، والذين ما حرك جلهم إلا غيرة على دينهم وكرها لتجريح أبنائهم، وبغضا لفضحهم واتهامهم بهذه الطريقة.
أما سالت نفسك أين الإبن (حسن البنا ) الأن، وهو القابع في سجون السيسي وقد بلغني من أحد الإخوة في مصر أنه رجع عن الإلحاد، وحتى لو لم يرجع ماذا فعل جهاز اشاعتكم لعلاجه؟!، بل محاور فيلمكم الأزهري الذي كان كالتلميذ أما شبهات الإلحاد التي هي أهوى من بيت العنكبوت؟! ياسيدي جهاز أشعاتكم جيد لكن فني التشغيل أفسده.
- 5- ويواصل الأستاذ أيمن جاب الله أطروحته المحيرة فيقول: ما أيسر أن يدير سياسيون ومثقفون ومتدينون ظهورهم لهم ويلعنوهم هم ومن صنع الفيلم وحامله وشاربه كما شبه أحد الأفاضل، وكأن الإعلام المثالي هو الذي يقدم المثاليين، والمثاليين فقط.
- إنها النظرة القاصرة للإعلام. نظرة تراه وسيلة تعبئة وشحن للمبادئ التي يراها أصحابها نبيلة. أولئك لا يختلفون عن المستبدين في تعاملهم مع الإعلام، إلا من حيث عدم قدرتهم على السيطرة عليه لممارسة استبدادهم الخاص بعرض وجهة نظر واحدة.
وأنا أريد أن استحلفك بالله من هم المستبدون الذين عرضوا وجة نظر واحدة، فطوال فيلمكم المشؤوم لم تعرضوا رأي خبير ولا متخصص ولم تردوا على شبهة واحدة، فمن يستحق الوصف بالاستبداد؟، وما هي مبادئكم النبيلة التى استخلصتها من سيناريو الفيلم؟ وقد عرضت طوال 35 دقيقة فلمية وجهة نظر الملحدين وكيف ألحدوا تحت ظل موسيقى هادئة تريح النفس وإضاءة متوسطة تساعد على التركيز في شرحهم، فعرضت في سفورهم نور، وعلى سريرهم نور، وفي مكتباتهم نور وكأنك تريد أن نطلع على هذا النورالإلحادي، بل إن الشاب الجالس في وضع المعلم لتلميذك المقدم للفيلم يشرح له كيف ينفتح على عالم الثقافة الإلحادية بكل أريحية، وتلك الفتاة التي تعلن أنها كافرة بابتسامة عريضة، ثم تكلمني عن وجهات النظر؟! وجهات النظر في خيال سحيق كسراب يحسبه الظمآن ماء، لكنه في الحقيقة خيالكم الواسع، والذي لم يتسع لتصور أنكم أخطأتموأن فيلمكم فاشل ولا عجب في نجاح خيالي مبني على عدد المشاهدات وجدال لن ينتهي لحقيقة غائبة عن صانعيها وهي "لا دخان بدون نار" ولا انتقاد بدون عيوب.
- 6- يكمل الأستاذ أيمن سرديته فيقول: أبطال سبع سنين في مجملهم محطمون فاشلون محبطون، لكنهم حقيقيون.
- وهؤلاء لا يمثلون قدوة لأحد، لكنهم سيمثلون فرصة للتماهي معهم من قبل شباب يعاني مثل معاناتهم، لكن أبطال الفيلم، ومن سيتماهى معهم جميعهم يبحثون عن قدوة تضمد جراحهم، وتعيد معهم بناء عالم صحي إيجابي بديل لذلك العالم الذي انهار أمام أعينهم بفعل قدوات عفنة أسقطت مثلهم العليا وهي تسقط في وحل إرضاء السلطة رغبًا أو رهبًا، أو تسقط في المقابل في رذيلة الإتجار بالثورة، وهي رذيلة لا يقصد بها هنا فصائل بعينها، وإنما هي رذيلة عابرة للفصائل عابرة للثورات عابرة للعصور.
وأنا أؤيدك في بعض ما تقول وهي أن هؤلاء الشباب لا يمثلون قدوة وهم يبحثون فعلا عن قدوة، لكن أسألك سؤال برىء وأين هذه القدوة التي قدمتها لهم، لماذا لم تقدم نموذج كخالد البلتاجي: هذا الشاب الذي وصل لمحافظة كربوك في تركيا وكان العربي الوحيد في الصف الأول من كلية الهندسة، وهو من هو الذي عاين موت أخته وسجن والده وأخوه وضياع كل ما يملكون ومطاردة أسرته بالكامل، ورغم هذا ترسب الكلية كلها في مادة الاستاتيكا ويحصل خالد البلتاجي على الدرجة النهائية ثم يُقلد الأول على دفعته ويحصل على منحة للدراسة في إحدى جامعات اسطنبول العريقة، لماذا لم تقدم القدوة يا صاحب الإعلام المبرأ من كل عيب؟! وأين غابت القدوات عن إعلام المهمات الصعبة، لقد وضعت الملح على جروحهم المثخنة وبررت لهم بقصد أو غير قصد مسلكهم المرضى وأتهمت كل فصائل الكفاح ضد الباطل بالتقصير لتخفي التقصير الفني في فيلم معيب، ولن أقول لك ارضاء للسلطة التي تقلدتها فهذا أستبعده كل البعد عن شخصك النبيل الذي عرفته بل تماهيا وتعاطفا مع فصيلك الإعلامي؟!.
- 7- ثم يختم الأستاذ أيمن جاب الله بأشأم العبارات والتي لن أسامحه فيها فقال: كان الأولى بكثير ممن هاجموا (في سبع سنين) أن يهاجموا أنفسهم لإخفاقهم في إدراك أهمية بناء منظومات استيعاب نفسي وقيمي لأولئك الناجين بدنيًا فقط من مجازر الثورة المضادة.
- (في سبع سنين) جرس إنذار صادم.. حين كان محمد عقل يخبط رأسه في الجدار في النهاية، فإنما كان يرجع صرخة له هو ورشيدي مخرج الفيلم موجهة بالأساس لأولئك الذين انتقدوهم من باب الحرص لاحقًا. صرخة تقول: إن هاهنا مصيبة. النار تنهش زرعكم، هبوا لنجدة حلمكم. إن فقدتم أوطانكم، فلا تخسروا أولادكم!
يا استاذ أيمن كان الأولى بك وبالمدافعين عن سوءات الفيلم أن يسكتوا فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، وأحب أن أعلمك أن خبط محمد عقل مشهد تمثيلي لا أكثر ولا أقل، ولو كان هناك عقل عند مشرفي الفيلم ما افتتحه بطلب رسالة إلى الله ممن لا تؤمن بوجود الله كمن يطلب التبرع من من مفلس، ونحن والحمد لله لم نخسر أولادنا بعد، وليست عينتك المسكينة هي كل زرعنا، وغدا سيخرج من رحم التيه من يفتحون البلاد ويعيدونها للأمجاد حتى لو سكنها العماليق، ولكن الطريق طويل والابتلاء سنة ووعد الله حق والنصر مع الصبر.
وأحب أن أقول لك ما هكذا تورد الإبل يا استاذ أيمن، فالكبر بطر الحق وغمط الناس، وفيلمك ساقط فنيا وأسقطته بدفاعك معنويا.
ولنا لقاء مع النقد الفني التفصيلي لفيلمكم المشؤوم في سبع سنين، وآخر دعوانا أن يهدينا الله لما اختلفوا فيه الى الحق بإذنه.