أصيبت الساحة الإسلامية في نكاباتها الأخيرة بشىء من المراشقة والمعاتبة والملاومة والمصارحة بين بعضها البعض، واختلفت وجهات الناصحين والمعاتبين بين وصفين متلازمين: النقد البناء وسوء الأدب.
ولم يسلم أي ناقد أو ناصح أو داعي من الجرح، سواء كان مقصده سليم وتقريره قويم أو أساء التعبير ولم يصب الهدف.
ولابد من الوقوف على حقيقة أدب الخلاف وفقه الإنصاف قبل الدخول في الخلاف ذاته، ولابد لنا من التزود بأدب الخلاف لعدة أسباب:
1- ان الفجور فى الخلاف من اسباب النفاق (اذا خاصم فجر) وهذا أمر خطير.
2-ان الله امرنا بهذا فى كتابهالكريم بالعدل والانصاف مع المخالفين فقَالَ تَعَالَى : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [المائدة: 5/ 8] .
فَانْظُرْ إلى مَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَالْأَمْرُ بِأَنْ تُعَامِلَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِأَنْ تُطِيعَهُ فِيه ِولا يحملنكم بُغْضُ قوم على ألا تعدلوا، اعدِلوا بين الأعداء والأحباب على درجة سواء، فذلك العدل أقرب لخشية الله، واحذروا أن تجوروا. إن الله خبير بما تعملون، وسيجازيكم به فانظر الى عظم الامر وقيمة الجزاء.
3-لابد أن يكون القصد من الخلاف الإظهار للحق، ولا يجوز أن يكون مثاراً للبغضاء والتفرق، بل يجب على الإنسان إذا أرشد ونبه على معنى من معاني النصوص أن يشكر من نبهه وأرشده على هذا، وأن يكون هذا داعياً للتقارب والصلة والمحبة، ولا يكون داعياً للتنافر.
ومن الأسف أن بعض طلبة العلم إذا نبه على شيء وقيل له: إن معنى هذا كذا وكذا، أو أنك في قولك كذا وعمل كذا قد أخطأت معنى النص، أو أخطأت كذا وكذا؛ أصبحت المسألة عداوة، وأصبح يعاديك ويبغضك؛ لأنك نبهته! فهو يريد أن يكون أعلم منك وفوقك، وكأنه يتصور في نفسه أنه هو الكامل، وليس هذا خلق طلبة العلم، هذا مسلك الجهلة الظلمة الذين يريدون العلو في الأرض.
4-على طالب العلم التيقن التام ان نصوص الكتاب والسنة لاتدع الى الخلاف بل هى مؤتلفه والخطأ فى فهمنا والمقصود أن دواعي الخلاف ليست هي نصوص الكتاب والسنة، بل نصوص الكتاب والسنة تدعو إلى الاتفاق، وإلى التواد والتراحم ( والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، أما إذا لم يسلم المسلمون من لسانه أو من يده فإسلامه غير مستقيم، ومستقل من ذلك ومستكثر.
5-ادفع بالتى هى احسن فالحق هو مرادك والهدايه هى طريقك ورضا الله هو غايتك وأما كون الإنسان يريد بيان الحق وإيصاله إلى الناس، فبيان الحق له أسلوب وله طريق قد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وبينه الله جل وعلا في كتابه.
ومعلوم أنك إذا أردت دعوة إنسان وأتيته بالعنف والازدراء والسخرية وما أشبه ذلك فإنه يزداد بعداً منك، ونفوراً عن قولك، ويحاول أن يرد كلامك عليك.
فيجب أن يكون هدف الإنسان من كلامه أداء الحق الواجب عليه، فإن الله جل وعلا أخذ على العلماء أن يبينوا لمن لا يعرف، وأخبر أن الذي يكتم العلم ملعون، وأن الله يلعنه، والملائكة تلعنه، والدواب تلعنه، وكل لاعن يلعنه.
6-ولتجعل هداية الناس نصب عينك فرحمة الناس وطلب هدايتهم امر مطلوب شرعا وعقلا ؛ لأن المسلم أخو المسلم، يجب عليه أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ولا يكون له مقصد آخر فيهلك، فهذا الذي يكون له نصيب من قول الله جل وعلا: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } [يوسف:108].
و الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى الكافر ويقول له: يا أبا فلان! ألا تسمع مني، هكذا يقول، يكنيه بكنيته ويقول: ألا تسمع مني؟ ما يقول له: قف أكلمك! وأنت كذا وكذا، وليس معنى ذلك أنه يوده، إن هذه هي الطريقة للسماع، ولإيصال الحق للناس، فالنفوس جبلت على أنها لا تقبل ممن ينتقصها ويزدريها، بل تزدريه وتتنقصه، وربما زاد الأمر فوق ما يتصوره هو، وهذا شيء يقع فيه كثير ممن يتصدى للدعوة والبيان؛ إما لأنه لم يصل في العلم إلى الدرجة التي يجب عليه أن يصل إليها، وإما لسوء نية وطوية عنده، وإما لغير ذلك من الآفات التي تعترض الإنسان.
- 7-لاتختلف الأمه في أن تأليف القلوب على الحق واجب شرعى، وعلى العالم أن يتقي ربه، وألا يكون سبباً في خلاف الأمة، سواء كانت الأمة التي تختلف بسببه كثيرة أوقليلة.
- 8-لابد من مراعاة نفسية المحالف فلاتعنف المخالف بقدر الامكان ولاتسفهه فلعله يكون على الحق وانت على الباطل ووصلكما الى الحق هو الهدف الحقيقى.
هذه النقاط التى ذكرتها هي من الأهمية بمكان يجعلها أساس لانظلاق أي نقاش يحمل النقد أو النصيحة أو الحوار الجاد، وللسلف نماذج عملية سأوضحها في الجزء الثاني من المقال إن شاء الله.