أخطر شيء يواجه دعوة ما هو (الإعلام) ، سواء كان مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً ، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله واجهت ذلك الإعلام بمفتريات وتشويهات لا تَرْقُبُ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، فتخطى كذبهم ميثاق الشرف المهني وتخلى عن الأمانة العلمية والبحث الدقيق.
وأخص بالذكر ما تردد بوضوح وتناقله الكثير بحسن أو سوء قصد فى القرن الثانى عشر الهجرى بعد ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، والتي واصل فيها جهوده في دعوة الناس إلى توحيد الله عزوجل الخاص ونبذ الشرك، فكان من الطبيعي أن يكون له خصوم، يشوهون صورة دعوته النقية ويهاجمونها بشدة.
ولم يختلف ذلك الهجوم عبر الزمان سوى فى وسائله فقط حيث كانت حينها تقتصر على كتابات ودعايات ، واليوم صارت معها صور وفيديوهات.
والعجيب في الأمر أن بعض المعاصرين يهاجمون أصول دعوة الشيخ بشراسة لوجود بعض المشايخ المنحرفين الذين ينسبون أنفسهم إلى منهج الشيخ؛ فهل الشيخ محمد بن عبدالوهاب مسئول عن انحراف السديس والمغامسى وعائض القرنى وغيرهم؟
ونسى هؤلاء ( أو لم يعلموا) أن واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد وغيرهم كانوا فى مجلس الحسن البصرى رحمه الله ؛ وهم أساس فرقة المعتزلة.
فهل يتحمل الحسن البصرى رحمه الله ذلك الانحراف؟
أفلا تعقلون
كذلك يُحَمِّلوه مسئولية انحراف دولة بأكملها ..وهذا من العجب العجاب
يحملونه ما حدث في القرن الرابع عشر وما يحدث فى القرن الخامس عشر الهجرى وقد مات الشيخ فى أوائل القرن الثالث عشر ..
ساء ما يفعلون
وحجتهم أن ثَمَّة تحالف تم بين الإمام محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود على أن يكون هناك تقاسم ثنائي للسلطة حيث كانت ذات جناحين، جناح سياسي "آل سعود"، وجناح ديني "آل الشيخ"
فلنفترض صحة هذا الكلام . فما علاقة ذلك بالحاضر؟
قالوا
سبب ذلك الدعم الديني من آل الشيخ وهم نسل الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، وقد جعلوا لآل سعود الحكام الحاليين صبغة شرعية وأعطوهم الضوء الأخضر لفعل ما يحلو لهم من أنظمة وقوانين ، واعتبار تلك القرارات ملزمة - وإن كانت مجحفة - فهي تصدر من (ولي أمر المسلمين)، وتكتسب الموافقة من رجال المؤسسة الدينية .. إلى آخر ما زعموا
والسؤال المهم .. كيف ذلك ؟
هل هذا كلام يدخل عقل إنسان منصف ؟
وإظهار الحقيقة كاملة يحتاج لبحث عميق في التاريخ لتنجلى الحقيقة ويظهر التشويه والتدليس.
وبنظرة سريعة نبدأ من الأقرب حيث استخدم الإنجليز فى أوائل القرن الماضي عبدالعزيز آل سعود كأداة لمحاربة الدولة العثمانية التى كانت تقضى نحبها وتوغل الضعف أركانها وصارت قاب قوسين أو أدنى إلى الهاوية؛ ساعد الإنجليز عبدالعزيز بالمال والسلاح ليستولى على نجد ثم الحجاز وحائل وغيرها من البلدان ويجعل كل هذه البقعة دولة مستقلة أسماها المملكة العربية السعودية ومعه العلماء والدعاة الذين يدافعون عنه وعن دولته وكانوا تحت تصنيف (الوهابية) أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، فأخذوا تراثه وتترَّسوا به ليعطوا أنفسهم صبغةَ العلم والعلماء ، وينخدع العامة والخاصة بذلك.
من هنا أتى الخلط
لا أدرى هل يعلم المفترون على الشيخ ودعوته بحملات محمد على باشا والى مصر عليه وعلى أولاده بعد موته، والتي شملت تشويه صورة الدعوة مع محاربتها على الأرض، ثم القضاء على دولته.
والسبب ما ذكره أحمد بن سعيد البغدادى فى كتابه (نديم الأديب) حيث قال : وأما سبب حرب صاحب مصر لهذه الطائفة (الوهابية) فقد ذكره المؤرخ الشهير الموسيو (سيديو) الفرنساوى (ما معناه) : إن انكلترا وفرنسا حين علمتا بقيام محمد بن عبدالوهاب وابن سعود وبانضمام جميع العرب إليهما لأن قيامهما كان لإحياء كلمة الدين ، خافتا أن ينتبه المسلمون فينضموا إليهما وتذهب عنهم غفلتهم ويعود الإسلام كما كان فى أيام عمر فيترتب علي ذلك حروب دينية وفتوحات إسلامية ترجع أوروبا منها فى خسران عظيم ، فحرضتا الدولة العلية (العثمانية) على حربهم ، وهى فوضت ذلك إلى محمد على باشا ) انتهى
انظر الفرق بين دولة قامت لتُعيد الأمة إلى مجدها فخافت دول العالم العظمى منها وسَعَت فى القضاء عليها وبين دولة قامت لتفرق جمع الأمة وتتسبب فى حدود وصراعات وحروب .
وهنا لابد من فك الارتباط بين دولة التوحيد التى ساهم فى تأسيسها الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وبين دولة يسمونها الآن المملكة العربية السعودية
وأيضا لابد من فك الارتباط بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ودعوته وبين مشايخ آل سعود وإن كان منهم نسله (آل الشيخ)
فالنسبُ شيءٌ والمنهج والدعوة شيءٌ آخر.
وللحديث بقية إن شاء الله
والله من وراء القصد
تعليقات