تحرير خالد القاضي على الأحد، 22 كانون2/يناير 2023
فئة: مدونات عربية

سحب الأحزان

هكذا هي الدنيا، لقاء ففراق، لم يدم ودها، ولن يلتئم جرحها، وبدت سحب الأحزان تتوالى حتى ملأت سمائي: غربة الأهل، فراق الأحبة،

لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا أُرَجِّي مِنَ الدُّنْيَا ... وَلَمْ يَبْقَ لِي عَلَيْهَا حَبِيبُ

أَفْرَدَتْنِي الْخُطُوبُ مِنْ أَهْلِ وُدِّي ... حَسْرَتِي مَا تُرِيدُ مِنِّي الْخُطُوبُ

كُلُّ يَوْمٍ لِي مِنْ خَلِيلٍ فِرَاقٌ ... أَيُّ عَيْشٍ مَعَ الْفِرَاقِ يَطِيبُ.

سحابة/

ينفطر قلبي وينعقد لساني وتعجز الألفاظ عن وصف أشجاني، ولم يبق لي من الدنيا أمل إلا ذكرياتك، ولحظات حب ملأت وجداني، أيا من فارقتني وتركتني لمصائب الدهر أعاني، لولا إيمان وخبر صدق بأن كل ما في هذي الحياة فان، لكنت صريع بُعدٍ، غريق دمعٍ، فقيد حزن ملك أركاني .

أيا دمعتي

ليذهبْ هواكِ الحلو في طيّ غيهبيكما غابَ نجمٌ في الظلام المطْبق

كما مرّ حلْم في كرى الشوق باسماًكما لاح طيف في الخيالِ المحلّق

أقامِ بروحي طيف أنسٍ ونشوةٍوودّع يأسي بابتسامةِ مشفِقِ

سعدْتُ به حيناً قليلاً ولم يدعْسوى فضْله في كأس راحٍ معتق

تذوقتُ منه حلوَ ما كنتُ أشتهيوغادرَ بي مرّ الذي كنت أتقي

وما بين لقياهُ وبين فراقهسوى لمح برق في دياجي التشوُّقِ

هو الأملُ المرجوّ قد لاحَ واختفىفيا حزنُ ذوبْني ويا نارُ أحْرقي

سحابة/

ولم أعد أعبأ بموت غربة,

إذا ما امرؤ حانت عليه منيّة ... بأرض أتاها مكرها لا تطوّعا.

سحابة/

وهي التي كانت لي وطن،

فلا تحسبي أنّ الغريب الذي نأى ... ولكنّ من تنأين عنه غريب.

سحابة/

وباعدت بيني وبينها قارات، لكن روحي أقرت بحبها رغم المسافات،

جسمي معي غير أنّ الرّوح عندكم ... فالجسم في غربة، والرّوح في وطن

فليعجب النّاس منّي، إنّ لي بدنا ... لا روح فيه، ولي روح بلا بدن.

سحابة/

وشددت رحالي لارتشف ما بقي من ريحها لعلي أنال ترياق لأحزاني لكن

كلُّ ذي غيبةٍ يؤوبُ ... وغائبُ الموتِ لا يؤوبُ

سحابة/

وعند قبرها دعوت ثم دعوت، ورجوت وبعد رجوت، لكن الغربة فرقتني عن قربها، وفي حلقي غصة من بعدها

يا ترى هل عند من قد رحلوا ... أن عيشي بعدهم كدّ وكدح

كم أداوي القلب قلت حيلتي ... كلما داويت جرحاً سال جرح

ولكم أدعو وما لي غيرك سامع ... فكأني عندما أدعو أبح

حسنوا القول وقالوا غربة ... إنما الغربة للأحرار ذبح

سحابة/

لم أنس عهدها، وهي التي على التوحيد سارت، ولم يغب عني هديها وهي بهدي الحبيب اقتدت، وشممت حجابها وعبق قيام ليلها، آه يا حبيبة .. أتعبني زهدك في دنيا أخذتني منك، وظللت شامخة صابرة محتسبة

آه يا حبيبة من صبر الفراق

وصبري راحل عما قليل ... لشدة لوعتي ولظى اشتياق

وفرط الوجد أصبح بي خليعاً ... ولما ينو في الدنيا فراقي

وتعبث ناره في الروح حيناً ... فيوشك أن تبلغها التراقي

وأظماني النوى وأراق دمعي ... فلا أروى ولا دمعي يراق

وقيدني على حال شديد ... فما حرز الرقى منه بواق

أبى الله المهيمن أن تراني ... عيون الخلق محلول الوثاق

أبيت مدى الزمان لنار وجدي ... على جمر يزيد به احتراقي

وما عيش لمرء في بحر غمّ ... يضاهي كربه كرب السياق

يود من الزمان صفاء يوم ... يلوذ بظله مما يلاقي

سقتني نائبات الدهر كأساً ... مريراً من أباريق الفراق

ولم يخطر ببالي قبل هذا ... لفرط الجهل إن الدهر ساقي

وفاض الكاس بعد البين حتى ... لعمري قد جرت منه سواقي

فليس لداء ما ألقى دواء ... يؤمك نفعه إلا التلاقي

سحابة/

وتركتني خلفك أتخبط، فلا أنيس ولا جليس ولا ونيس، شريد بين ذكرياتك ، نادم عن كل لحظة بعدت فيها عنك ،

إني لأكثرُ ذكركمْ فكأنّما … بعُرى لساني ذِكركمْ مَعقودُ

.أبكي لسُخْطِكِ حينَ أذكرُ ما مضَى … يا ليتَ ماقد فاتَ لي مَردودُ

سحابة/

وهجمت على نفسي الوساوس تقطع أوصاري الممزعة، تردد:أهملتك، غفلت عن وصلك، شرد فكري عن بعدك. أيا حبيبة سامحيني,

طويلعَلى مِثْلِها مِنْ فَجْعَةٍ خانَني الصَّبرُ … فراقُ حبيبٍ دونَ أوبَتِهِ الحشرُ

ولي كَبدٌ مشطورةٌ في يَدِ الأسى … فتحتَ الثرى شطرٌ وفوقَ الثرى شطرُ

يقولونَ لي : صَّبِرْ فؤادكَ بعدهُ ! … فَقُلتُ لهُمْ : ما لِيَ فؤادٌ ولا صَبْرُ

فُرَيْخُ منَ الحُمْرِ الحواصِلِ ما اكتسى … مِنَ الرِّيشِ حَتَّى ضَمَّهُ المَوْتُ والقَبْرُ

إذا قلتُ : أَسْلو عنهُ ، هاجَتْ بلابِلٌ … يُجَدِّدُها فِكْرٌ ، يُجددُهُ ذِكرُ

وأنْظُرُ حوْلي لا أرى غيرَ قبرهِ … كأنَّ جميعَ الأرضِ عندي لهُ قبرُ

أَفَرْخَ جِنَانِ الخُلْدِ طِرْتَ بِمُهْجَتي … وَليْسَ سِوى قَعْرِ الضَّريحِ لَهُ وَكرُ

سحابة/

وواستنيحسن خاتمتك، فبين دفتي المصحف خرجت روحك العامرة، وأعواد القرنفل التي طيبتي بها أنفاسك الطاهرة، بقاياها تشهد لك أنك ما لوثتي لسانك بغيبة أو نميمة أوشيء مما ابتليت به عامة النساء، فلا قيل ولا قال، ولا هات ولا أريد، عجبت لك طوال حياتك لم تطلبي لعاع الدنيا ... آه يا حبية كم كنت فوق الغربة غريبة .

فعزائي ومواساتي في الأثر: مَا مِنْ غَرِيبٍ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، إِلَّا قِيسَ لَهُ مِنْ تُرْبَتِهِ، إِلَى مَوْلِدِهِ فِي الْجَنَّةِ.

كيف وكنت: مهاجرة، مثابرة، محتسبة، صابرة، ودودة، باسمة، حالمة.

سحابة/

أيا زوجتي الحبيبة، فراقك كسر قلبي، خطف فرحتي، أذهب بسمتي، سكب دمعتي.

آه يا حبل النوى ما أطولك … قطع اللَّهُ زماناً وصلَكْ

حكم الدهرُ بأسبابِ النَّوى … وقضى فينا بما شاء الفلك

ذبت والله غراماً وأسىً … من فراق لاك قلبي وعللك

عجل الدهر ولم يرفق بنا … آه يا دهر النوى ما أعجلك

ذبت يا قلب غليلاً بعدهم … وبهم ما كان أروى غَلَلكْ

سحابة/

وبقيتك لوصلك ذرية، ارتشفت من حضنك الدافىء حنين وود، في لمحات وجههم، في عبارات لفظهم شىء منك ومن لحظك، كنت لهم خير راعية، ونعم هادية.

ومن فقدت احتسبتي.

هم في عيوني وصيتك، وأملي في الدنيا من بعدك.

لك ذرّية بسرّك قامت ... تقتفي منك مشرب الإيقان

زادهم ربّهم هدى واتباعا ... لمعاني هداك في كلّ آن

سحابة/

يا رفيقة الدرب ويا حبيبة القلب، لعلي التقي بك، وأملي لقياك في جنة الخلد، كم تعاهدنا أن من سبق برحمة الله في الفردوس دعا حبيبه لرفقة الأبد، واعذرني وسامحيني إن شغلت عنك يوما يا حبيبة العمر.

وداعا زوجتي وداعا يا سرّ التحنان والعطاء وداعا يا سحب المحبة والرخاء.