مرت الدعوة السلفية في مصر بعدة مراحل وصلت خلالها في وقت ما للقبول الشعبي نظراً لنقاء منبعها وجاذبية خطابها، واقتصر الهجوم العنيف والمتلاحق من كثير من الحانقين والحاقدين عليها من المخالفين لها منهجاً وحركةً من خارجها.
ثم عانت من انقسامات حادة وتراشقات عنيفة فى التيار السلفى نفسه خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير، أدت إلى بلبلة كبيرة، اهتزت بسببها صورة التيار ككل أمام العامة فصار العامى يتساءل مَنْ على الحق ؟!
ولم يقتصر هذا التساؤل على العامة بل امتد إلى كثير من أبناء التيار السلفى نفسه فعانى بعضهم من فهم واستيعاب حقيقة ما يحدث ؟!
ولهذا كان لزاماً علينا استعراض ما حدث وبيان الموقف منها بصفتنا أبناء هذا التيار وأحباؤه.
قبل الثورات العربيةلو تأملنا فى حال السلفيين قبل الثورات العربية لوجدنا أن معظمهم عوام على حد تعبير المنتمين للحركة- وهي لفظة شهيرة داخل الحركة على عامة الشعب- فى حقيقة الأمر ، وقليل منهم طلبة للعلم (سلفيين حقيقيين).
والسبب في ذلك لأن كثيراً منهم سلك طريق الاستقامة متأخراً، وفى ذات الوقت تطحنه الحياة ويدور فى دوامة طلب لقمة العيش ويريد الزواج والاستقرار فيأخذ ذلك وقته وجهده وتفكيره .. فمتى يجد وقتاً لطلب العلم والمذاكرة والحفظ والمراجعة ؟
وبُناءً عليه سَلَّمَ عقله طَواعية لشيخٍ أحبه ووثق به أو تأثر به وعظا وإرشاداً، يأخذ منه دينه ويرجع إليه فى الفتاوى والمستجدات.
وهذا لا ضير منه إن كان الشيخ أهلا لذلك وعلى قدر من العلم يؤهله لينطق بالحق ويستدل بالأدلة الشرعية وبفهم صحيح للمسألة التى يتكلم فيها .
وهذا القسم هو غالب المنتمين للحركة السلفية وعليه شعبيتهم وانتشارهم في كل أرجاء مصر.
انقسام خفىوهؤلاء المشايخ ظهروا لعامة السلفيين أنهم على منهج واحد وذلك لتطابق ظاهرهم وترادف معظم كلامهم، وهيئتهم الواحدة: قميص قصير (جلابية بالعامية المصرية) ولحية وغطاء رأس ، والجميع يتكلم بقواعد عامة من أهمها، وجوب إتباع الكتاب والسنة وفهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وكلٌ يُؤخذُ منه ويُرَدُّ عليه إلا النبى صلى الله عليه وسلم، نستدل بالأدلة والنصوص لا بالأسماء والشخوص .
فتوهمت جموع السلفيين أنه لا فرق بين هؤلاء المشايخ ما داموا ينطقون بنفس الكلام ولا يختلفون إلا فيما يسع الجميع أن يختلفوا فيه ولم يدركوا أصول الخلاف وتجذره لدرجة التفسيق والتبديع والتكفير، والإبلاغ للجهات الامنية، بل والاشتباك باليد.
تحسبهم جميعاً وهم شتىولو رجعنا للتاريخ المعاصر لنشأة السلفيين في مصر ، وأصل هذا الخلاف، نستطيع أن نفهم جذور اختلاف هؤلاء المشايخ وأسبابها.
ففي وقت ظهور الجماعة الإسلامية فى الجامعات فى مطلع السبعينيات، والتي تأسست على يد مجموعة من الشباب، كانت نبتة الخلاف بينهم في ذات الوقت.
وسبب الخلاف أن البعض منهم كان يريد الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين بهدف تغيير وتحويل المنهج الإخوانى إلى المنهج السلفى ومن هؤلاء ، عبد المنعم أبو الفتوح ، و عصام العريان.
وجزءٌ آخر كانت رؤيته استكمال مسيرة الجماعة الإسلامية بنفس المسمى في صعيد مصر، على أن يكون التغيير للواقع يكون«بالقوة»، حتى لو وقعت بعض المصادمات والاشتباكات التى قد تصل لاستخدام السلاح، وهؤلاءكانوا لا يرون فائدة من العمل السياسى على نهج الاخوان.
أما الجانب الثالث من هؤلاء فقرر تأسيس جماعة الدعوة السلفية فى الإسكندرية ، وهى عبارة عن تنظيم سلفى أسسه محمد إسماعيل المقدم أحمد فريد وسعيد عبد العظيم ومحمد عبد الفتاح أبو إدريس، وسيد غباشي، وياسر برهامي الذي لم يكن له ظهور كسابقيه في ذلك الوقت.
ونجح هذا الفصيل فى الامتداد بمحافظات مصر المختلفة نظراً لعدم رغبة الدولة في كلا الفصيلين السابقين.
ودعم هذا الانتشار بعض مشايخ السلفية المخالفين لهم في ربوع مصر مثل: الشيخ مصطفى العدوي وكان ينتقدهم فى مسألة العمل الجماعى ولا يرى مشروعيته.
وتعددت جزئيات الخلاف وتكاثرت وامتدت وبان ذلك بجلاء للعَيَان بعد أحداث الثورات العربية فظهرت الأقوال الخفية و الأفعال غير المرضية.
وتمايزت الصفوف وآلت الأحداث إلى فريق مع الطغاة يدافع عنهم ويُنَافح وآخر يواجه الجبابرة بما يستطيعه وغيرهما مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
صيحة نذيرلكن بقيت جماهير وعوام السلفيين الذين يرجون رحمة الله ويبغون وجهه ويسعون لرضاه ويريدون جنته في حيرة وانقسام.
لأن هؤلاء ظلموا أنفسهم كثيراً حينما سلَّموا عقولهم لغيرهم وما كان اللوم يشتد عليهم لو كانت الحقيقة خفية أو الوصول إلى الحق شاق لكن الأحداث نفسها توضح بجلاء
أين الحق ، ومع مَنْ ؟
والعجب أنك حين تُحَادث أحدَ هؤلاء المقلدين وتبين له خطأ مَنْ يقلده بالدليل تراه يراوغ مراوغة الثعالب مدعياً أن شيخه مجتهداً ولا وزرَ عليه حتى إن كان مخطئاً
وهنا تبرز هذه الأسئلة التي خالفت أصل تقليدهم لهم : فهل هناك اجتهاد مع نص واضح من كتاب أو سنة ؟ وهل ينجو من الإثم الذى عرف خطأ شيخه بالدليل الصحيح ثم اتبع شيخه ؟ وهل بذلك الفعل يدخل فى قوله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ؟
السلفية منهج لا جماعةوللخروج من هذه الإشكاليات يجب أن نقرر بعض الصور المهمة التي تؤكد أن السلفية منهج قبل أن تكون جماعات و لتكتمل الرؤية وتتضح يجب مراعاة عدة أمور :
1- لا ناطق أو ممثل للسلفية يتحدث باسمها بحيث يكون مَنْ خالفه فهو مخالف للسلفية ومَنْ وافقه فهو موافق للسلفية وهي صورة مقيته من المولاة
قال ابن تيمية : (وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها، غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ينصب لهم كلامًا يوالي عليه ويعادي، غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرقون به بين الأمة، ويوالون على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون). "الفتاوى" (20/164). "درء التعارض" (1/ 272- 273).
2- مجرد الإنتساب إلى السلفية لا يكفي لأن يكون الشخص سلفياً فالمسألة ليست بالتسمية ؛ بل هو منهج معروف ينطبق على عَمِلَ به ولو لم يسمى نفسه سلفياً
فكيف يكون سلفياً مَنْ جعل طاعة الحكام واجبة حتى لو حكم بالقوانين الكفرية وجعل الحاكم يقوم مقام الرسول صلى الله عليه و سلم ؟!.
3- وقوع بعض المنتسبين إلى السلفية في بعض الأخطاء لا يُنسَب إلى السلفية ؛ وإنما تُنسَب الأقوال والأفعال إلى قائلها أو فاعلها .
4-السلفية لا تعني الإتفاق على المسائل الخلافية أو الاجتهادات السياسية المبنية على تقدير المصالح والمفاسد فما دام الأمر فيه سعة فلا حرج في الخلاف .
5- الأخطاء التي يقع فيها الشخص لا تخرجه عن السلفية ما دام أنه ملتزم بأصولها ومتمسك بقواعدها إلا أن يخالف أصلاً كليّاً من أصول السُّنة، أو تكثر مخالفته وتطَّرد في عدد من القضايا الجزئية مما يصل لحد الانحراف في الأصل الكلي كما قال أهل العلم (انظر: الاعتصام للإمام الشاطبي: 3/140 ).
6- النقد الموجَّه هو لأفعال وأقوال السلفيين لا إلى السلفية نفسها ، والسلفيون هم أَوْلى الناس بضرورة الاستفادة من أى انتقاد حتى لو صدر بطريقة غير صحيحة أو بصورة خاطئة .
7 استعراض الحالة السلفية ليس الغرض منه جلد الذات بقدر ماهو معرفة ما تعاني منه الحالة السلفية، لتصحيحها والوقوف في جانب الإصلاحيين المخلصين.
اللَّهُمَّ اهْدِنِا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
أدخل نصك هنا ...
تعليقات