كلام في الاصطفاف !!
______
الاصطفاف لا يعني تنازلَ الأحسنِ للحسن، ولا يعني تراجعَ القويِّ عدة خطوات أو عدة أميال للضعيف، ولا يعني تركَ صاحب الإمكانيات والمهارات السابقة لمهمة الإدارة والقيادة لمتواضع الإمكانات أو لضعيفها، كما لا يُطالَبُ صاحبُ العينين والساقين واليدين أن يرمي إحداهما ليصطف مع ذوي الإحتياجات الخاصة !!
فإنه لا يختلف العقلاء مطلقاً فيما في هذا من إهدار القوة، وذهاب الريح، وتضييع الملكة والإمكانات، مما يلزم ضرورةً لتحقيق الاصطفاف وبلوغ الأهداف المنشودة، ولا يختلف العقلاء أيضاً أن المطالب بهذا صاحبُ هوىً منازعٌ للحق مُغالبٌ للحقيقة والصواب، وهذا مدرجة الهلاك بلا شكٍّ ومهواة الفشل !!
وإنما يعني الإصطفافُ تسليمَ الحسن للأحسن، وتلاحمَ الضعيف مع القوي، وتشبُّثَ قليل المهارة وضعيف الإمكانية بصاحبه، ليصل الجميع إلى بر الأمان وإلى الهدف المنشود وإلا فشلوا وتساقطوا في الطريق زرافاتٍ ووحدانا !!
لا حرج أبداً عليكم يا جماعةَ الثُّوارِ الشرفاء، أن يكون أصحاب الهدف الواحد فرقاءَ مختلفين لا شركاءَ متشاكسين، لا حرج أبداً أن يكون لكل طائفةٍ منكم أيدلوجيتها وفكرتها أيَّاً كانت، ولا حرج أن يكون لكل طائفة قناعتها الخاصة ورؤيتها المستقلة للصواب، وليس لأحدٍ مهما كان أن يحملها على ترك قناعتها أياً كانت، ما لم تهتدي هي بنفسها للحجة وتقنع بالبرهان، ولا حرج عليكم من طرح رؤاكم على بعض، والتناصح في إطار من الهدوء وعدم التشنج، مع اصطلاح كل فصيل على حقه ورؤيته، ولا حرج أبداً أن تكون كل طائفة حريصة على القيادة وتطبيق قناعتها في الواقع، لكن قد انتهى العقلاء إلى أنه :
ما كلُّ ما يتمنَّى المرْءُ يُدْرِكُهُ *** تأتي الرِّياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ
وإن كثيراً من الأفكار والقناعات - ولو كانت صواباً مقطوعاً به - لتتكسر على صخرة الواقع لتخلف القدرة والإستطاعة، فيَستسلمُ أصحابُها للواقع والقدر المقدور، ولا ينازعوا من يملك القوة والإمكانية، ولا يغالبوه ما لم يكن ظالماً معتدياً، وإنما يُسلِّموا بتأجيل قناعاتهم من جولاتٍ خانتهم فيها القوة والإمكانات، إلى جولةٍ يتحقق لهم فيها ما أمَّلُوا وأرادوا، حين يقوُوا ويتمكنوا .
فما ينبغي أن يُغالبَ فاقد الأهلية منكم أو ضعيفها مالكَها أو الماهرً بها ولو نسبياً، وإلا كان باغياً مفسداً، ومن يبغِ فإنما يبغِ على نفسه، ولا يَحيقُ المكر السَّيِّئُ إلا باهله، ثم إن هذا لا يتحقق به وحدةٌ أبداً ولا يقع به انتصار، فلا يُغالبُ الملاكمُ أو المصارع المبتدِئُ مثلاً بطلَ العالم في الملاكمة أو المصارعة على الحلبة وإلا هلك، ولا ينازعه في لقب بطل العالم وإلا عُدَّ مجنوناً هاذياً !!
وكذلك أنتم جماعةَ الثوار الشرفاء، لا بد لكم من سبيل واحدة تدخلون فيها أفواجاً، وتتفقون فيها على رأسٍ وقيادة منكم تسلمون القياد لها، وتلتزمون بعد النصح والمراجعة أمرها وتوجيهها، ولا يضركم حينئذٍ اختلاف رؤاكم وقناعاتكم، ما دمتم قد اتفقتم وتوحدتم على هدف واحد، هو إزالة الإنقلاب وإقامة العدل والحرية مكانه، ولا يُعَكِّرنَّ عليكم وساوس وهواجس من سوف يقود الرَّكب إذا انتصرتم، ما دمتم قد اتفقتم على تحكيم الشعب بينكم في ذلك عبر اقتراعٍ عادل ونزيه كما يقال !!
وليرجع كل فصيلٍ إلى نفسه، وليشحذ عقله، وليُحكِّمَ - في البداية - العدالة التي يرتجيها وينشدها في النهاية، فيُقدِّم من هو أولى بالتقدم، وليضع الفصيل المناسب في المكان المناسب من القيادة وإدارة الصراع، ثم يُسلِّم له بعد الشورى المتفق على شكلها بينكم، دونما منازعة ولا مغالبة فضلاً عن شرود ومشاكسة !!
فلو كان لدينا مركبة ورحلة، وطريق ومحطة أخيرة تنشدها الرحلة، ولدينا كذلك من كوادر الرحلة سائق بدون رخصة أصلاً، وآخر معه رخصة "درجة تالتة"، وآخر معه رخصة "درجة تانية"، وآخر معه رخصة "درجة أولى" مع خدمة في المهنة لعقود وخبرة واسعة، وجميعهم حريص على شرف القيادة بالركب والترقي بخدمته، ويرى من نفسه جدارة لأداء المُهِمَّة، لكان بديهياً في قاعدة العدل أن يُسلموا للأخير إن كانوا صادقين في إرادة الجمعية والوحدة، وإلا إذا ركب كل فصيلٍ منهم هواه فلن تكون جماعة ولا اصطفاف !!
وإن كان الهدف لن يضيع ولن ينمحي لكونه حقاً، فالحق باقٍ، ولن يتخلف النصر لأنه وعدٌ صادق، إلا أنه سيتأخر إلى ما شاء الله، وسيعيش الفرقاء تيهاً وذلَّاً وضياعاً وعذاباً، ظالمهم الباغي ومظلومهم الصابر على السواء، إلى أن تكون العاقبة للمتقين، وينصر اللهُ المستحقين ولو بعد حين !!
سيقول قائل : وماذا لو ضاق عَطَنُ الباغي وصاحب الهوى عن الجماعة والوحدة، وأبى إلا أن يتبع هواه ؟! وهل يُعذرُ القادر من تلك الفصائل إذا تقاعد عن الممكن والمتاح من سبيل الاجتماع والألفة ؟!
فأرى - شخصياً - والله أعلم، كإسلاميٍّ لا أنتمي لفصيل ولا جماعة، لزوم اجتماع الإسلاميين بكل طوائفهم وأفرادهم مع جماعة الإخوان، يتبعون توجهها، ويؤيدون مسالكها، ويتعبدون اللهَ تعالى بقيادتها، فيكون لهم غُنْمَها، وعليها وحدها في الآخرة إثمَها، وإن شاركوها غُرْمَها في الدنيا فهو اقل كثيراً كثيراً مما هو واقعٌ فعلاً ويقعُ مستقبلاً !!
والله تعالى من وراء القصد وهو سبحانه يقول الحق ويهدي السبيل !!
#فرحات_رمضان