بسم الله الرحمن الرحيم
فتنةُ شيوخِ الفتنة !!
(+ 18، - 18)
______
ليس خفياً على متابع، أن من أولويات الإدارة السياسية الميكيافيلية والأجهزة السيادية لدى السلطات القمعية الدكتاتورية، هي أن تضع جميع المشاهير وأصحاب النفوذ الإبداعي، والشخصيات الجماهيرية بلا استثناء تحت حذائها، وليس فقط في جيبها، وإلا لم يتسنَّ لهم - بزعمهم - حكم الجماهير وتعبيدها لهم واستحمارها !!
وسواءً كان أولئك المشاهيرمن السياسيين أو من رجال الأعمال أو من الفنانين أو الرياضيين، او من الأبطال أصحاب التأثير في كل مجال، الذين تشرئب لهم أعناق العامة والدهماء وتتعلق بهم عيونهم وقلوبهم، فإنه لا بديل للسلطة الفاشية الحاكمة من السيطرة عليهم وجعلهم عرائس على مسرح السياسة، فلا حركة ولا سكنة أمام الجماهير إلا وفق إرادة لاعب العرائس المختفي في الخلفية !!
وفوق كل أولئك وأهم أن يوضع تحت الحذاء بحسب السلطات القمعية، هم الشبوخ والقيادات الدينية من كل ملة بحسب قواعدهم، فكلما كانت القاعدة الدينية لطائفةٍ ما أضخم، كانت الحاجة لوضع قيادتها الدينية تحت الحذاء، من قِبَل السلطة القمعية الغاشمة أشد وأعظم، لأنهم يكونون أكبر تأثيراً في الجماهير، وأعظم ملكاً لقلوبهم، وإن إحكام السيطرة على تلك القيادات الدينية يعني إحكام السيطرة على الحكم والدولة، ويعني استتباب الأمر للطغمة الحاكمة !!
لذلك فلا تسمح السلطة القمعية النجسة مطلقاً، أن يكون هناك أيٍّ تأثير من نخبة المشاهير في القاعدة الشعبية دون التحكم الكامل فيه والسيطرة المحكمة عليه، كما لا تسمح مطلقا أن يوجد في النخبة المؤثرة شخصية طاهرة حقاً، أو شريفة فعلاً، أو عادلة حكماً دون احتواءٍ وسيطرة كاملة بإغراقه في الفساد والانحلال، لا يمكن تصور ذلك من الطغمة الحاكمة إلا مع غفلةً عن تلك الشخصية أو جهلاً بها !!
فإذا زالت الغفلة وانزاح الجهل - وسرعان ما يزول - فإما أن ينزل فوراً ذلك الشريف العادل إلى محله المعتاد في سلطة الإجرام تحت الحذاء، مع سيادته ووجاهته ظاهراً، وتقلبه في النعيم الحرام والمال السحت، وإدراجه وذريته - يروحون ويغدون – في النعيم والجاه والسلطان مع علية القوم، الذين هم في الحقيقة سفلتهم وأكابر مجرميهم، وإما أن يُسام سوء العذاب، قمعاً ونفياً وتنكيلاً وسجناً، له ولذريته حتى الجيل الخامس منهم أو العاشر، ذلك بأنهم أناسٌ يتطهرون !!
وتبدأ السلطة القمعية مع هذا المشهور أو ذاك قبل استخدامه، فإن كان من سفلة القوم الإنتهازيين البراجماتيين أصلاً فبها ونعمت، ولا كبير عناء عليهم في تجنيده ووضع رقبته تحت الحذاء، لمناسبته ابتداءً كأحد كلاب السلطة المستبدة، وما ثم إلا تسجيل سفالته مكتوبة ومسموعة ومرئية وخاصةً المخازي الجنسية، لاستخدامها عند اللزوم في تركيعه وإخضاعه إذا ما شمخت نفسه يوماً وظن أنه من بني اليشر، ثم ملء عينه من المال الحرام والوجاهة النجسة !!
وإن كان المشهور شريفاً خلوقاً عادلاً، فيلزم ولا بد من توريطه في السفالات المتاحة من كل نوع أولاً، وتسجيلها عليه بالصوت والصورة، وخاصةً القاذورات الجنسية كما أسلفنا، مع إعلامه به ولو من طرفٍ خفيّ، ولا يتصور أن ينجوَ من حبائلهم أحد إلا من عصم الله، عافانا الله وسائر المسلمين !!
ثم تنهال العطايا والمنح والامتيازات له ولذويه، التي تبدد همَّهُ وشعوره بالذنب مما وقع منه وسُجِّل عليه، فينتقل الهمّ إلى اللاشعور الذي يعي فقط غضب الأسياد، فلا يرد على خاطره أصلاً ما يُغضبهم، ولا ما يُخالفهم !!
وقد يعترض شخص طيب فيقول : ولكن حسن الظن بالشيوخ يقضي بتفطنهم لهذا الكيد من المجرمين، ولما يراد بهم، فلا يواقعونه !! ..
والجواب : صدقت والله، إن حسن الظن بالشيوخ يقتضي أن يكونوا أبعد شيء من مواقعة المنكر ومن استدراج الظالمين، ولكنك نسيت أنهم في مملكة الشيطان وتحت قهره، وإن أظهر بهم الحفاوة والإكرام والاحترام، وهو من الـ"ماكياج" اللازم لتمكنهم من أداء مهمتهم في خداع الشعوب وإخضاعهم للطواغيت، ونسيت أن هذا الإيقاع بالشيوخ لم يكن وليد اللحظة، بل سبقه إعداد طويل من الطغمة المجرمة لردحٍ من الزمان !!
ولم يكن الإيقاع بالشيوخ أيضاً بدون انبطاح منهم نوعاً ما للطواغيت، والاستقراء الواقعي يقضي بأن الأشراف هؤلاء قد أعانوا على أنفسهم خلال تلك الفترة، بما بذلوه ضرورةً من بعض الثقة والخوف والرجاء والاستسلام أحياناً لتلك الطغمة المجرمة، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون !!
وأستميحك عذراً قارئي الكريم حتى يتبين المقال، أن تفترض معيَ هذا السيناريو الذي لا يبعد عن الواقع كثيراً، مع شهادتي بوقوع بعضه من بعض مشاهير الشيوخ والذي يُشار إليه بالبنان، فلا أقول أن الشيخ زنا ولا طلب الحرام وارتكبه، ولكن تابع معي السيناريو المفترض فضلاً لا أمراً !!
بعدما كان يتابع مثل كل الناس في مدينته، إذا به ذات فجأة يُنتدب إلى أعلى جهة، ويُستقبل هناك بكل حفاوة وتبجيل، ويُخاطب بصاحب المعالي، وطفق البكوات يستفتونه في مهام الدين والدنيا وهو يفتيهم ولا يألو، ويظهرون الإعجاب والشكر، ثم يضيئون له الأضواء الخضراء بأن يتكلم على منبره بما يشاء، ويقدح فيمن يشاء ولو كان المفتي الرسمي، فكثر متابعوه، وكبُر في أعينهم، إذ صار اللسان المسلول على المميعين والمبتدعة - بزعم المتابعين - ولا يخشى في الحق لومة لائم، هذا ما استفاده الشيخ ابتداءً، واستفادت الطغمة جمع القطيع عليه فلا تعسر متابعتهم، ولا تتشعب أفكارهم، وأيضاً تتفرغ شحنات الغضب لديهم إلى ما لا طائل تحته، وكذلك - وهو لا يقل عما سبق - غرس الثقة في قلبه للطواغيت من حيث ما يظهر له أنهم حريصون على إظهار الحق ونشره، خلافاً لما كان يظن هو وأتباعه !!
وذات زيارة بينما هو يتجاذب مع البيك أطراف الحوار كالعادة، إذ دخلت الراقصة الفاتنة الشهيرة، هزازة المسرح والسينما وشارع الهـ ..، إذ إنها عضوٌ في هذا النادي شأن كل المشاهير كما أسلفنا، فسلمت وجلست - دعك من كونها صافحت الشيخ أم لم تصافحه - وحسب البروتوكول لما كان المكان مكيفاً، نزعت الفنانة اللولبية الفرير والبالطو، فإذا هي من بعده شبه عارية، ثم بعد التعارف والاستقبال الباسم سألت الشيخ في فتوى، وقد جاورته على الأريكة حتى لا يفوتها شيء من الجواب، فأجابها فبادرته كعادتها بقبلة شكر على جبينه وأردفتها باثنتين امتناناً على خديه، ثم انتقلت على الفور إلى حجر الشيخ فجلست عليه، وعندها استأذن البيك على عجل للحمام، وانهالت الفنانة على الشيخ تقبله في كل مكان، وتعبث بكلتا يديها منه في كل مكان، دلكاً و"زغزغة" مع استجابات لا إرادية من الشيخ الذي أذهلته المفاجأة وسرعة الحركات في ثوانٍ معدودة، فعقدت الدهشة لسانه وأطارت عقله، فلم يدري ماذا حدث ؟! ولا ماذا يفعل ؟!
ولا يخفاك الإضاءة الصاخبة التي لاتغادر ظلاً إلا محته، كما لا يخفاك الكاميرات الزكية المنتشرة من حيث لا تراها فلا تغادر مليمتراً من المكان ولا الأشخاص إلا جلَّته وأوضحته وسجلته، فلما استفاق الشيخ شيئاً ما، وأيقن باللعبة، ظن أنه سقط في قعر الجحيم، فجعل فتنة الناس كعذاب الله، فاستسلم وانقاد !!
وسيعترض الشخص الطيب ثانيةً ويقول : من واقع هذا السيناريو المفترض يتضح بجلاء إقرارك أن الشيخ معذورٌ، لوقوعه تحت الإكراه الملجيء !!
والجواب : نعم أظن أن الشيخ تحت إكراه ملجيء بحسب هذا السيناريو، ولكن أقول : عذر الشيخ عند ربه هو لله تعالى يقضي فيه بما يشاء بمقتضى علمه وحكمته، وإن كنا نرجو لنا وله العفو والعافية والمعافاة، وأما عذره في الدنيا فلا نملكه، إنما يملكه أصحاب الحقوق بحسب حقوقهم، ولا يمكننا تقرير شيئٍ من ذلك ولا تقديره إلا بمحاكمة الشيخ محاكمة عادلة !!
وإن كنت أظن أن الشيخ وإن عذرناه بحسب ذلك السيناريو، فليس يُعذر - بنحوٍ ما - قبل السيناريو ولا بعده، ذلك أنه قبل السيناريو وضع لنفسه بنفسه خطوطاً حمراء لا يتجاوزها، رهبانيةً ابتدعها ما كتبها أحدٌ عليه، فما بلغ البلاغ المبين الذي كتبه الله تعالى على الرسل والدعاة "بلِّغْ ما أُنزل"، "لتبينُنَّهُ للناس ولا تكتمونه"، وإنما بلَّغ بعض المنزل الذي لا شوكة فيه كالرقائق والمواعظ والطرائف، التي تجعله شيخاً مشهوراً ملء السمع والبصر عند أولياء الله من جهة، ولا يغضب عليه الطواغيت أعداء الله - بظنه - من جهةٍ أخرى، فآثر اللعب على الحبلين، ومحاولة إيجاد الحظوة عند الفريقين، وإذا عوتب في هذا الفساد العريض في الأرض قال : "إنما نحن مصلحون"، وإذا لقى الذين آمنوا كان سيدهم، وإذا خلا إلى شياطينه قال بحاله أو مقاله : أنا معكم ومحسوبكم، فأنَّى يُعذر وحاله هكذا ؟!!
وأما بعد السيناريو فحاله أسوأ وأبعد من العذر، إذ خضع للطواغيت ورضي بصحبتهم، وخافهم ورجاهم، ثم شاركهم جرائمهم بالتبرير لهم تارة أو السكوت والإقرار تارات، بل كان أسوأ الشريكين، فلولا تبريره وإقراره لما خضعت الشعوب للطواغيت ولا استذلت لهم، ولا تمكن الطواغيت من تمزيق الدين وتفريق الجموع وبيع الأرض والعرض وإهلاك الحرث والنسل، فأنى يُعذر هذا ؟!!
#فرحات_رمضان