تحرير عبد المنعم منيب على الأربعاء، 06 شباط/فبراير 2019
فئة: مدونات عربية

لماذا يغفل المسلمون أبجديات التفاعل الصحيح مع الصراعات؟؟

من خصائص أى صراع أنه يجرى كلعبة شطرنج عين على نقلات الخصم وعين على ما ستنقله أنت إذ لا يمكنك أن تلعب كأنك وحدك.

ونقلة (أوخطوة) الخصم لها العديد من الدلائل والعديد من الخصائص، فينبغى أن تلمح دلائلها وإشاراتها، كما ينبغى أن تكون عالما بخصائصها، فخطوة الخصم تدل على طبيعة وأماكن الخطوات القادمة له ضدك وتصورك أو تخيلك لهذه الخطوات وترتيبها وأماكنها يمكنك من إدراك خطته الكاملة ضدك وتفاصيلها، ومما يساعدك على هذا علمك بخصائص خطوات خصمك فتفهم منطقها ومراميها وتعلم أنها ليست عابثة وإنما لها ما بعدها وتمهد لما بعدها، وفهمك للمرامى يمنعك من التوهم بأنها "خطوات قصيرة المدى ولن تتابع حتى تبلغ منتهى رقعة الشطرنج/الصراع".

هكذا تفهم نقلات خصمك على رقعة الشطرنج، ولكن ماذا ستفعل بهذا الفهم؟؟

إذا أردت هزيمة خصمك والفوز بالمباراة فلا خيار لك إلا أن تواجه نقلاته بالتالى:

أولا-تفسد أثر نقلته هذه فلا تجعلها تنجح فى التمهيد والتوطئة لنقلته التالية ومن ثم تعرقل إتمام خطته.

ثانيا-تحرك قطعك بحيث تسد المسارات أو تحصن المسارات التى سيسير فيها للوصول لتحقيق كامل أو بقية خطته وهزيمتك.
ومن خصائص هذا التحصين أن ترفع تكلفة سيره بهذه المسارات بأن تجعله يخسر كثيرا بمحاولته إتمام خطته بهزيمتك، بشرط أن تكون هذه الخسائر كافية لإجهاض خطته وكسرها، فإن لم تكن كافية فسوف تتابع خطواته لمنتهاها ويهزمك كما خطط.

ثالثا-تستغل تحركاته هذه فى إكتشاف مواضع الضعف والخلل فى صفوف "قطعه" لأن هجومه ومحاولته تنفيذ خطته ضدك أكيد ستسحب من تركيز "قطعه" وعليك لمح الخلل والضعف فى صفوفه الخلفية والناتج عن تقدمه ضدك، وبعد أن تلمح مواضع الضعف فعليك أن تضع خطتك لاستغلال هذا الخلل وتتسرب منه لتباغته وتنهى المباراة لصالحك.

رابعا-أثناء تنفيذ كل هذه الخطوات ضمن هذه المحاور الثلاثة فاحذر من أن تغض الطرف عن مراقبة خصمك أو يغفل عقلك عن توقع ردود أفعاله على تحركاتك والتحسب لهذه الردود كلها، وهذا المحور يجب مراعاته من بداية المباراة وحتى نهايتها.

وهكذا فأنت تسير فى أربعة محاور متزامنة ومتوازية هى:

إفساد نقلة الخصم الآنية.

إفساد خطته المستقبلية كاملة بسد الطريق أمامها أو "أكل القطع التى ستنفذها".

دراسة مواضع الخلل والضعف فى دفاعاته وتحديدها ثم استغلالها فى الانقضاض عليه وإنهاء المباراة لصالحك.

توقع ردود أفعاله والتحسب لها.

وسيرك فى هذه المحاور يقتضى منك التيقظ والفطنة وسرعة البديهة وسرعة رد الفعل وكذلك الاحتفاظ بمواردك عند مستوى مناسب لتنفيذ كل هذه المحاور، وهى هنا فى لعبة الشطرنج تتمثل فى القطع وخاصة القطع المهمة.

كل الألعاب التنافسية تشبه بدرجة أو بأخرى الصراعات السياسية والعسكرية إلا أن لعبة الشطرنج تعتمد على التفكير والاستراتيجية بأكثر من بقية الألعاب، وبرغم هذا ففى أكثر الألعاب دائما ما يحتم التنافس أن يكون لك رد على خطوة الخصم الآنية ولا يمكنك مشاهدتها ثم الصمت بلا رد وإلا خسرت نقطة او نقاط، ويلاحظ أيضا بكافة الألعاب وجود استراتيجيات ما وتكتيكات ما، إلا أن الاستراتيجية والتكتيك فى الشطرنج معقدة وبها خطوات كثيرة متتابعة ويستغرق تنفيذ بعضها وقتا طويلا يصل لعدة ساعات بعكس الألعاب الأخرى التى يكون الأمر فيها أبسط من هذا.

ومن هنا يأتى التشابه الكبير بين رقعة الشطرنج وما يجرى عليها وبين رقعة الصراع السياسي والاستراتيجى الحقيقى فى الواقع الحقيقى.

وأيا كان الأمر فقادة الأمة الإسلامية منذ عدة قرون وهم يفتقدون لأبجديات التفاعل الصحيح مع الصراعات التى تموج بها الكرة الأرضية، مما اوقعهم تحت نير الاحتلال الغربى منذ أكثر من مائتى عام وحتى الآن.

على الهامش

لأهمية هذا الموضوع كتبنا عنه كثيرا سابقا فكتبنا العام الماضى عن حساب ردود أفعال الخصم، كما كتبنا منذ ستة شهور نشير لأهمية الاحتراف فى إدارة الصراع