تحرير فرحات رمضان على الإثنين، 11 آذار/مارس 2019
فئة: مدونات عربية

ضرب الرؤوس المزيفة (الحويني نموذجاً) !!

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفات مع الحوينية

*****

سوَّد بعضهم على صفحته مقالاً ينتصر فيه للحويني ممن ينتقد صمته عن قول الحق الذي انتصب له مختاراً، وينتقد خضوعه للطواغيت موالاة لهم ومنابذة للحق وأهله، وأياً ما كان فالمقال يستحق بعض الوقفات بالنقد والتحليل، أقصد منها بيان موقف الحويني بعيداً عن العواطف المرسلة والإتباع الأعمى، إقامةً للحجة وبياناً للمحجة ليوجد الرأي إلى جانب الرأي الآخر، فيهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيَّ أيضاً عن بينة !! ...

وسأعرض فيما يلي لمقاطع من المقال المشار إليه آنفاً تباعاً مع التعليق عليها .

يقول الأخ - أصلحنا الله وإياه - في صدر مقاله :

(اختلف مع الشيخ الحويني كما شئت، وارفض منهجه السكوتي كما شئت، وإن كان له في بعض خيار السابقين أسوة، ولكن إياك والتجاسر على رجل ربما له مع الله حال لا تبلغه أنت ولا أكثر الجعجاعين !) أ.هـ

وأقول :

أما قوله : " وإن كان له في بعض خيار السابقين أسوة" فمن من السابقين الصالحين رأى المنكر يملأ الأفق من تدمير الدين، وتحطيم الأوطان، وسفك الدماء البريئة، وقمع المؤمنين بالحبس والإخراج والمطاردة واغتصاب المؤمنات، ثم ثم اختار السكوت لست سنوات متتالية، لا ينبس ببنت شفةٍ بغير عذرٍ شرعي ولا إكراهٍ معتبر، ولا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وأمنِه في نسائه وأولاده، يرْفلُ في النعيم، ويسكن القصور، ويركب الفاره من السيارات والطائرات، ويقطن العواصم الآمنة في حماية الطواغيت من هنا ومن هناك، وهو من أقدر الناس على الكلام والإنكار والبيان بكل الوسائل العصرية في التبليغ ونشر الرسالة المقصودة، ولو أشار ببنانه لنقلت الصحف والقنوات كلماته إلى بقاع العالم من تلقاء نفسها باذلة له الأجر المالي الجزيل، وكيف يستحل السكوت وقد فزع إليه الناس ينادونه سنين ليفتيهم فيما نزل بهم وقد اتخذوه عالماً ومفتياً، فلا حس منه ولا خبر كأنه ميْت، وأي عذر له وقد صدع الغلمان والشيوخ والعجائز بكلمة الحق أمام الطاغوت المارق ؟!! فضلاً عن مئات الألوف بل الملايين من الرجال الذين صدعوا بالحق غير هيابين، وقد دفعوا الثمن من الحبس والتنكيل والتشريد صابرين محتسبين، فهل الحويني بدعاً من هؤلاء ؟!! أم هو ملِكٌ أو إله حتى يكون فوق الناس وينأى بنفسه عما ينالهم ؟!!

ولمن إذاً يتوجه خطاب الله تعالى : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ" ؟!! ..

ولمن يكون هذا الوعيد الرهيب : "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ"[البقرة:159] ؟!! وهذا ايضاً : "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[البقرة:174] ؟!!

أليس الحويني بامثل من يتوجه له ذاك الخطاب وهذا الوعيد في واقعنا المعاصر، وفي محنة الإسلام والمسلمين الذين باتت الأعداء فيهم تتحكم ؟!!

ثم من من السلف الصالحين فعل ذلك ؟!! وكتم الحق أقدر ما يكون عليه وأحوج ما يكون الناس إليه ؟!! وبفرضِ أن أحداً من السلف فعل ذلك فأيُّ حجة فيه ؟!! وأي عاقل يقول أن من فعل ذلك يكون فيه أسوة كائناً هو من كان ؟!!

وأما قوله : "له حال مع الله" !! فماذا يعني ؟!!

فكل المسلمين لهم مع الله حالٌ حسن، فمستقلٌ ومستكثر، فما لنا ولحال الرجل مع الله إذا بينا حاله السيء معنا ؟!! وحذرنا من أثره الخطِر على ديننا ودنيانا ؟!!

وكأن الأخ ومن يقول بقوله حالاً أو مقالاً، يوحون إلينا أن الشيخ "بركة" فلا تتعرضوا وﻻ تعترضوا !! ..

وإذاً فالمطلوب منا - والحال هذا - أن نقول : مداااااااد يا حويني نظرة يا حويني !! .. فأي منطق هذا ؟!!

ولماذا الكيل بمكيالين ؟!! حين تلعنون "أبو خاش" الصوفية، إذا قالوا لمريدهم لا تعترض على شيخك مهما رأيت، ثم تعتذرون للحويني وأمثاله، وتتمحلون في التبرير لهم إذا خضعوا للطواغيت وخانوا الله ورسوله والمؤمنين، وكتموا الحق الذي أمروا بتبليغه، وآثروا الدنيا وزينتها على نصرة الله ورسوله والمؤمنين !!

وماذا لو اتُهم الحويني في جريمةٍ ما ؟!! زنا مثلاً - أظن هذا الإفتراض ممكن فليس الحويني بمعصوم - أتقول للقاضي توقف فلا تنظر في ملابسات القضية وﻻ تحاكم الرجل وﻻ تحكم عليه حتى ترى حاله مع الله ؟!! .. أي منهج هذا ؟!!

مع أن الحويني - وهو أمثل أمثاله - كتم عن الناس علوم الشريعة، وأصول الدين، وأحكام الطاغوت، وجهاد الطواغيت، وقضايا الوﻻء والبراء، والحكم بغير ما أنزل الله الذي يملأ العالم، وترك مجاهدة الفرق الضالة والنحل الكفرية، وترك بيان ذلك إﻻ ما شذ وندر، أو تسطح فكان من قبيل الجعجعة التي ﻻ طحن لها، والعناوين التي ﻻ مضمون تحتها، ذراً للرماد في العيون وإمساكاً بالعصى من المنتصف، بين السادة الطواغيت الذين يرفضون هذا الخطاب كلياً ويغضبون على خطيبه، وبين القاعدة من الطلبة وأهل الدعوة الذين يطلبون هذا الخطاب ويستحقون هذا البيان من غير طلب، ويسيئون الظن بمن يدعه، كل ذلك وأضعافه فعله الحويني وامثاله على مدى ربُع قرن من الزمان، قاصداً عامداً مختاراً - فيما يبدو لي - وأنا الذي شاهده وعاصره، وفي حكم الملازم له من أوله لمنتهاه، وأعرف مُدخلَه ومُخرَجه، وقارنته في العمل الدعوي في نفس المحِلَّة التي نتبع لها معاً !!

حتى إذا جاءت الفتنة الكبرى والآنقلاب الفظيع، سكت عن الحق فلم يقله، في حين أن الأمة بطوائفها تناديه وتستغيث به، وخذل الأمة والمجاهدين بالحق فلم ينصرهم، وركن لظالميهم وقاتليهم وقامعيهم ومبدِّلي دينَهم ومحاربي الله ورسوله، ولا يزال في معيتهم وحمايتهم ورغد عيشهم لاستمرار سكوته الذي ﻻيزال، رغم انفتاح قنوات الدنيا عليه، ولكن تبقى أركان الدعوة العامة لديه لا تكاد تتجاوز ثلاث أو أربع أحاديث منذ ربع قرن، حديث الإفك، وحديث كعب بن مالك، وحديث "إنما الدنيا لأربعة نفر"، وحديث أم زرع ونحو ذلك إن كان هناك زيادةً عليها، يتناول خلالها المواعظ والرقائق والتعدد وحسن العشرة وام زرع وأبو زرع !!

أهذه دعوة الله التي أنزلها لعباده ؟!!

أهذه دعوة الرسل التي أمروا بإبلاغها ؟!!

كما في قوله "بلغ ما أنزل"، أي جميع ما أنزل إليك عقائده وأخلاقه وحلاله وحرامه ما يرضي الناس ومالا يرضيهم !!

أهذا هو البلاغ المبين الواجب على الرسل وأتباعهم ؟!!

أم أن الحويني بلغ ما يهوى فقط من جملة البلاغ ؟!! وما يكف عنه الأذي وما يجلب له النفوذ والسلطان في مصر والخليج !!

هذي الحقائق وأضعافها، أُثبتُها وأجادلُ عليها صاحبَها فمن دونه إلى يوم القيامة، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ أيضاً عن بينة، وإن نفاها النافِ، فما لنافٍ علمٌ وإنما العلم مع المثبت، فإن استطعت أن تجعله هو يرد فينفي بنفسه عن نفسه فافعل، أو انقل عنه مباشرةً وأنا سأجيب عما يجافي الحقيقة إن وُجد، وإلا فلا تتكلف ما ﻻ علم لك به وكِلِ العلم إلى عالمه وأعطِ الخبز لخبازه و"اسألوا أهل الذكر إن كنتم ﻻ تعلمون"، ولا تجادل عته بالباطل حميَّة وعاطفة، أو لأجل يدٍ كانت له عليك من مالٍ ونحوه، فليس المال من كيسه وإنما هو وكيل فيه لتوصيله لك ولأمثالك، فلعلك أحق به، أو لعلك أحق بأكثر مما أعطاك، فإن جادلتنا فيخ اليوم رغم هذا، فمن يجادل الله عنه يوم القيامة أمَّن يكون عليه وكيلا ؟!!

أما قوله : "له حال مع الله ﻻ تبلغه أنت وﻻ أكثر الجعجاعين" فأظنه ضربٌ من التألي على الله ! .. فمن ادلراك أن حال الحويني مع الله أعظم من حال غيره ؟!!

فما هو الغلو إن لم يكن هذا عينه ؟!!

وماذا لو كان حاله أشبه بحال الضديقين ثم زنا أو سرق أو كقر، أيمنع حاله ذاك من الإنكار عليه ؟!!

ما لكم كيف تحكمون ؟!!

*****

ثم قال الأخ - هدانا الله وإياه - :

(الحويني ليس كحسان و لا كبرهامي .. فأن تضعه معهما في نفس السلة = فحيف منك و ظلم و قصر نظر) أ.هـ

وللتعليق على هذا نقول :

الحقيقة أن الحويني وحسان وبرهامي ومن على شاكلتهم كثير - ﻻ كثرهم الله ونجانا الله من شرورهم - قد سقطوا جميعاً في بئرٍ وهُوُّةٍ واحدة هي الخضوع للطواغيت والركون إليهم، ويتبع ذلك ولابد من المخازي والشرور ما الله به عليم، وإن تفاوتوا في الخوف والرجاء والعمل الجوارحي الذي يتبع ذلك، فمنهم من يرجو ذهب المعِزّ ويخشى سيفه، ومنهم من يقتصر على بعض ذلك فيرجو ذهبه ويأمن بأسه بظنه، ومنهم من يخشى بأسه ولا يرجو سوى الأمن منه ونحو ذلك، لكن الوصف الجامع لهم جميعاً لا يخرج عنه خارج أنهم جميعاً في قبضة المعز وتحت قهره وسلطانه عبيداً خانعين خاضعين، يصرفهم كيف يشاء ﻻ يمتنعون منه وﻻ ينفكون عنه، باختيارهم فعلوا، وبالرغبة والرهبة معاً قصدوا واعتمدوا وﻻ زالوا، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين !!

ولست أنفي أن الجميع تحت قهر المعز الطاغوت وجبروته، ولكن القهر الذي أنكره هنا فيما وقع لهؤلاء المشايخ والحويني في مقدمتهم، هو قهر قلوبهم وانكسار إيمانهم أمام الطواغيت فصاروا عبيداً لهم ينفذون في الظاهر خططهم في تدمير الأمة وكيد دينها من حيث يُنتظر منهم أن يكونوا هم حاجز الممانعة وحائط الصد عنها، وسواءً تكلموا بالباطل أو سكتوا عليه وهادنوه فسكوتهم جريمة وتكلمهم أجرم !!

أما الأحرار من المؤمنين فلا تقهر قلوبهم ولا ينكسر إيمانهم وإن قهر الطاغوت أبدانهم ونهب أموالهم !!

وكل هؤلاء المشايخ كان وﻻ يزال يأتيه تمويل من الداخل والخارج إما لشخصه وإما لأعماله الدعوية التي يرعاها، وهذا ظاهر للكافة ﻻ ينكره إﻻ أعمى البصر ومطموس البصيرة، فقد عرفناهم قديماً فقراء مستورين فإذا بهم فجأة أثرياء "يلعبون وأوﻻدهم بالفلوس لعب" كما يقال، ويسكنون العمارات والقصور في بلدهم الأصلي وفي مدينة ٦ أكتوبر حيث الإنتاج الإعلامي في آن واحد، ويركبون وأولادهم فاره السيارات، ويديرون أعمالاً تجارية كبيرة نسبياً تظهر حيناً وما خفي منها كان أعظم تبدو آثاره أحيانا !!

هكذا بدون سبب ظاهر ومعقول من أسباب الغِنى والثراء إﻻ على نحو ما تحكيه الأساطير من أن المارد أتاهم جميعاً في ساعةٍ واحدة فقال : "شبيكم لبيكم" فقال كل منهم : وادٍ من ذهب فقال : هاكم !!

وهذا ﻻ حرج فيه وليس هو المشكلة، وإنما المشكلة في أن هذا التمويل بنوعيه (الداخليّ والخارجيّ)، ومصرِفَيْه (الشخصيّ والدعويّ)، يعرفه الطواغيت دقيقه وجليله، ظاهره وخفيه بلا أدنى شك، وهذا التمويل في قانون الطواغيت ودستورهم جريمة كبرى وخيانة عظمى، خصوصا ما يأتي من الخارج فإنه يكون تنفيذاً لسياسات الخارج في الداخل، وهو نوع من الحرب المقنعة، ومن فرض سياسات بعض الأنظمة على بعض، إﻻ أن يكون مع التنسيق والمصالح المشتركة، فكيف إذاً سكتوا على حضرات الشيوخ وقد تلبسوا بالجريمة بمقتضى قوانينهم الوضعية ؟!!

وكيف تركوهم والأموال الطائلة بلا أدنى إدانة لشخوصهم ؟!!

وﻻ حتى مصادرة لمليم واحد مما لديهم، والمفترض أن هؤلاء الشيوخ أعداء السلطات ومعارضوا سياساتهم، فكيف تركوهم والجريمة ثابتة والفرصة مواتية ؟!!

فتحتم أن الشيوخ قد صاروا رجالاً للنظام بشكلٍ أو بآخر، أحب الشيوخ أم كرهوا، أطاعوا مختارين أم أُكرهوا، وأن هذا خيانة جلية لله وللرسول وللأمة، شاء الشيوخ وأتباعُهم أم أبَوا، أقروا أم أنكروا !!

وكذلك الحويني وأمثالُه سواءٌ في الهلع والفزع والجزع والرعب من الطواغيت،

وهذا منكرٌ فظيع يوشكُ أن يُعبِّد المرء لغير الله، إﻻ أن مجرد الخوف من الطاغوت فطريٌّ جِبلِّيّ ﻻحرج في وقوعه ابتداءً، ولكن يطارد من القلب بالإيمان والتوكل على الله، لئلا يدفع لترك الواجب أو فعل المحرم كما أظنه حصل لهم، وقد وقع خوف الطاغوت لأولي العزم من الرسل فلم يُقَرُّوا على بقائه وتوابعه في قلوبهم : "قاﻻ ربنا إننا نخاف ... قال ﻻ تخافا ... الآية"، وليس معنى النهي ألَّا يخافا مطلقاً فهذا غيرُ ممكن، لأن الخوف من الطاغوت فطرة وجبلَّة لا يستطيع الإنسانُ محوَها أومنعَ وقوعها، ولكن المطلوب مجاهدَة هذه الجبلة ودفعها، ومنع آثارها من ترك الواجب وفعل المحرَّم !!

ولذا وضع الشيوخ لأنفسهم بأنفسهم عشرات الخطوط الحمراء، رعبانيةً ابتدعوها أضعاف ما كتب الطواغيت عليهم منها، ولذا تواطؤوا على اختزال الدعوة - عامة وخاصة - في المواعظ والرقائق وعلوم الآلة كمصطلح الحديث وأصول الفقه ونحوهما، دون علوم الوحي من تفاصيل الإسلام والإيمان والإحسان، وكأنه منشور من السماء وُزِّع عليهم فتواصوْا به واستقاموا عليه !!

إن مثل هؤلاء الشيوخ جميعاً برهامي وحسان وحويني ومقدم ويعقوب وعدوي وبدوي وزغبي وفريد ووحيد وزيد وعمرو إلا من عصم الله، كمثل عدَّائين انطلقوا في مضمارٍ للسباق نصبه الطواغيت، وأوعدوا كلاً من المتسابقين - تصريحاً أو تلميحاً - الجائزة التي يهواها على قدر سبقه، سواءً كانت سلامة من الحبس نسبياً، أو سلامة وشهرة، أو سلامة وشهرة ومال كثير، أو فوق ذلك نسبة مرموقة من تجارة الآثار أو نحوذلك، فانطلقوا فمنهم من حاز المركز الأول أو الثاني أو العاشر أو المائة، ومنهم من سقط في ربع المضمار أو نصفه أو ثلثيه فحمله الطواغيت على النقالة إلى مزابلهم - عياذاً بالرحمن من هذا كله - فجميعُهم في المضمار وإن تفاوتوا فيه تفاوتاً عظيماً، كما أن جميعَهم في السَّلَّة وإن اختلفت منازلهم فيها، يفقه ذلك من يفقهه ويجهله من يجهله !!

فانظر يا صديقي فيما أتاك في هذا البيان الناصع من معلومة ربما غابت عنك أو خفيت عليك، معلومة ليست ظناً ولا تخرصاً ولا عاطفة عمياء عَرَتْ عن العلم والفهم والنظر، وليست جميلاً من الحويني وأمثاله طوَّق عنقك وملك عليك قلبك فأورثك عين الرضا الدائمة، كالولد مع والده لا يرى شيئاً من جرائمه وإن كانت تملأ الأفق، بل يرى خَرَاهُ عسلاً مصفَّى !!

فمثل هذا لا يُعتد برأيه ولا يُؤْبَهُ لقوله، وإن أشْفَقنا عليه وعذرناه كما نشفق على اليتيم فلا نقهر، وعلى السائل فلا ننهر، وهذا ما شهِدْ به الأخ على نفسه في منشوره بقوله : (أما أنا : فقد سطرت هذه اﻷحرف بقلبي لا بقلمي حبا في الشيخ و ذبا عن عرضه، وإنه ليسرني أن تبلغه .. فله في عنقي دين لا أقدر على الوفاء به منذ شببت عن الطوق وتفتحت عيني على الحياة)، فهل بعد هذا الكلام العاطفي الذي يُرائي به الحويني صراحة (وإنه ليسرني أن تبلغه) من دليل على فقدان العدل والموضوعية، والحكم بمجرد الوهم والعاطفة والرقبة الذليلة والعين المكسورة ؟!! وهل يصعب بعد هذا على العاقل أن يتأمل في صف من يكون الحيفُ والظلم وقصر النظر والجعجعة بلا طحين على حد وصف الأخ الناشر وتعبيره ؟!!

*****

ويقول الأخ الناشر أيضاً :

(الحويني لم يشايع الباطل ولو بشطر كلمة، والرجل خرج من مصر وخروجه علامة على الإنكار) أ.هـ

فأقول تعليقاً عليه :

أما قوله : (الحويني لم يشايع الباطل ولو بشطر كلمة)، فهذا بفرض إحسان الظن بقائله فهو سذاجةٌ قصوى، بل عمى وصمم ربما نتج عن نوع تقديس والعياذ بالله، وإﻻ فهو ضرْب شديد من المخادعة والإستهبال والجدال عن الذين يختانون أنفسهم، حيث قد عُلم قطعاً - شرعاً وعقلاً - أن كتمان الحق الذي أذن الله ببيانه من أشنع الباطل والإجرام الذي يلعن الله فاعليه عليه ويلعنهم اللاعنون، كما قال تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ"[البقرة:159] .

وقال تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ"[البقرة :174-176] .

وقد أوجب الله تعالى البلاغ والبيان على الذين أتوا العلم والكتاب ونهاهم أن يكتموه كما قال : "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ"[آل عمران:187] !!

وصاحبك هذا – الحويني - كتم الحق بلا ريب في بيان حقيقة الإنقلاب والمنقلبين، وتستر على جرائمهم وامتنع من نصرة المظلومين أهل الحق في وقت حلول الفتنة، حال استغاثة العامة والنخب به وبأمثاله، ليرُدُّوا لهفتهم ويُدْلوا بشهاداتهم ويُوَقِّعوا فتاواهم، فكانت عبثاً محاوﻻتُهم وذهبت أدراج الرياح استغاثاتُهم، كل هذا منذ ست سنوات وإلى الآن، ثمَّ لا يتوبون ولا هم يذَّكَّرون !!

فأي مشايعة للباطل أعظم من هذا ؟!، وأي نصر هنيء مريء للباطل وأي غنيمةٍ باردة تناله وهو متكيءٌ على أريكته مستوٍ على عرشه ؟! وأي كسبٍ - بلا جهدٍ وﻻ ثمنٍ - يحصل الباطل عليه أعظم وأيسر وأرجى من كتمان الحويني وأمثاله للحق ؟!!

بل إن صاحبك خرج ينصر الباطل ويدمغ الحق بالكلمة كلها لا بشطرها، ولم يكتفِ بكتمان الحق فقط، وذلك يوم قال - وبئس ما قال : (كأن الله يقول للمشتاقين للحكم والرئاسة سبناها لكم سنة ما نفعتوش ..)، إلى آخر هذيانه وإضلاله، وأمِّيَّته المذهلة بسنن الله في الخلق والتغيير، والفيديو مشهور ومنشور فليراجعه من شاء !!

وتأمل - سبحان الله - لم يفرح بهذا و"يطبِّل" له ويتوﻻه بالشرح على القنوات إﻻ مظهر شاهين ! وكفى بهذا خزياً وخِذﻻنأ !!

وأما قوله : (والرجل خرج من مصر وخروجه علامة على الإنكار) أ.هـ

فأقول : ياللعجب من انقلاب الحقائق والإستدلالات المقلوبة كما قال القائل :

يُقْضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ !

بل خروجه دليل على ازدياد حُجَّةِ الله عليه وعلامة على توالي خِذﻻن الله له، ففي حين كان يمكنه - نوعاً ما - التذرع بالإستضعاف وتسلط الظلمة وخوف الأسر والتضييق والتهديد وصنوف الهوان بمصر عن النطق بالحق ومجاهدة الطواغيت بلسانه، فخروجُهُ هذا يقطع حجتَهُ هذه ويمنع عذره فيها !!

رغم أنها حجة ضعيفة ممجوجة ومحجوجة قد خصَمَت الملائكة أربابَها لما اعتذروا عن الإستعلان بكلمة الحق ونصرة أصحابها قائلين : "قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ" [النساء:97] ! فحجَّتهم الملائكة وأبطلت ذريعتهم وأسقطت عذرهم فقالوا :

" أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا"[النساء:97]، فأيَّد الله تعالى حجة الملائكة وحسم الخلاف بينهما لصالح الملائكة فحكم تعالى وقال : "فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"[النساء:97]، أي الذين تركوا الهجرة والإستعلان بكلمة الشهادة ومناصرة أهلها بزعم الإستضعاف !!

فأيُّ حجةٍ للحويني وأي ذريعة أن يكتم الحق وقد أنعم الله عليه بالخروج من ديار القمع والنجاة من القوم الظالمين ؟! .. كما قال العبد الصالح لموسى عليه السلام لما خرج من مصر خائفا : "ﻻ تخف نجوت من القوم الظالمين"، والحويني قد خرج بكامل أسرته آمناً ﻻ يخاف دركاً وﻻ يخشى، وعاش في قَطَر ملِكاً ممكَّناً مترفاً حتى أنني علمت بمحض القدر وكنت في مكة منذ عام أن ابناً له أنفق في ساعة من نهار في مكة عشرين ألف ريال، فجعل الحويني شكر هذه النعم أن يكتم الحق ويخذلَ الأمة وينصر الطواغيت ويقنع بجوارهم عن جوار الحقِّ وأهله !!

وأي عذرٍ للحويني أن يكتم الحق وقد وسع الله له في المنابر الدعوية حتى أعتلى أضخم فضائيات العالم وأوسعَها انتشارا فبدلاً من أن ينتهز الفرصة ليُعليَ كلمة الله بنصر الحق وأهله ومجاهدة الطواغيت، فإذا به يُبدِّل النعمة كفراً ويُحِلُّ نفسه وأتباعه دار البوار !!

فآثر جناب الطواغيت على جناب الله وجعل فتنة الناس كعذاب الله، فخافهم فيه تعالى ولم يخفه سبحانه فيهم، وقنع بعرض الإسلام الأمريكي الذي يريد أن ينزع الشوكة والدسم من دين رب العالمين، ليبقى محصوراً في المواعظ والرقائق وحديث الإفك والتعدد وزهرة الفردوس والعلمانية المقنعة !!

وهذا من أعظم الغش للأمة ومن أعظم مظاهرة الطواغيت ونصرتهم عليها !!

فإن قال متعاطف ممن يجادلون بالباطل عن المتهمين : ولكن يد الطواغيت ﻻتعجز عن النيل منه في قطر وإبلاغ الأذى له ولذريته، فنقول : وبفرض أن الظالمين ينالونه في قطر ببعض الأذي فلا ينالونه وﻻ يتسلطون عليه كلياً، وإن ضاقت عليه قطر تتسع له بريطانيا أو استانبول ولن يعدم على الحق أعواناً وأنصارأ،ً وإن عدمهم فالله خيرٌ حافظاً وهو خير الناصرين، وفي قصة مهاجري الحبشة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم عظةٌ وعبرة لمعتبِر !!

فإن قيل : ولكن الرجل عاجز ومريض !! فنقول : أهو أشد عجزاً ومرضاً من أحمد ياسين أو عمر عبد الرحمن رحمهما الله ؟!!

وإن كان عاجزاً وضعيفاً عن قول الحق والثبات عليه، فما حاجة الأمة في رجلٍ فتيات الإخوان وصبيانهم أثبت في الحق وأخدم للأمة منه !!

وإن كان عاجزاً وضعيفاً عن قول الحق والثبات عليه فعلام يتصدر أمام الأمة على أنه عالمُها ومجتهدُها وأسدُ السنة وفارسُ المنابر والمحدِّثُ والعلَّامةُ ؟! وأسماءٌ يسمونها ما أنزل الله بها من سلطان وما لهم بها من علمٍ إن هم إلا يخرصون !!أليس هذا أخذاً للشيء بغير حقه ودون بذل ثمنه ؟!!

ولم ﻻ ينسحب من الشهرة والدعوة ما دام حاله هكذا، وينكسر بين يدي ربه ويبكي على خطيئته ويكفُّ عن الناس شرَّه ؟!!

وهل يُقبل الإنكار من مثل الحويني بالعلامات والإشارات والتورية والتقية ؟! لتقول أن خروجه من مصر علامة على الإنكار، فمتى يُعْلمُ الحقُّ إن تكلم العالم تقيةً ؟!! فعلى من إذاً يكونُ البيان والبلاغ المبين ؟!!

ومن المعنيُّ بقوله تعالى :"لتُبيِّننَّه" وقوله :"فهل على الرسل إﻻ البلاغ المبين" وقوله :"بلِّغ ما أنزل" إن لم يكن الحويني ؟!!

فإذا كتم الحويني وأمثاله الحقَّ، فيا هلكة العامة حينئذ إن لم يجتبهم ربهم برحمته، وقد كان من هلكتهم ما شاء الله أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون !!

#فرحات_رمضان