بعض الشباب المتحمس - جزاهم الله خيراً - يزدري السلمية ويحقر من شأنها، ويتحرق شوقاً للجهاد وحمل السلاح في مواجهة الطواغيت، في حين أن الشباب ﻻ يملك شيئاً من مقومات القوة إﻻ الحماسة والعاطفة، وعدوهم يملك كل القوة:الأرضية ويسانده العالم كله إقليمياً ودولياً بكل عناصر القوة من الإبرة للصاروخ كما يقال !!
** دعوات الأنبياء والمرسلين في الجملة دعوات سلمية أساساً "بالحكمة والموعظة" حتى يعبد اللهُ وحده، فمن رفض الدعوة السلمية جولد بالسيف لبغيه وإباقه من سيده رب العالمين، حيث يسكن أرضه ويستظل بسمائه ويأكل رزقه ويتقلب في نعمه وآﻻئه وﻻ عيش له طرفة عين بغير تدبير سيده، ثم هو بعد كل هذا ينكر ربه وسيده ويجحده ويكفره، فمثل هذا يستحق الإدب بلا شك من أولياء الله المجاهدين بالسيف، بأمر الله، حتى يعود إلى الجادة ويؤدي حق موﻻه، وإﻻ فحسابه عند ربه يوم يلقاه يحاسبه تعالى كيف شاء !!
فالدعوة السلمية بالبيان واللسان هي الأصل "فهل على الرسل إﻻ البلاغ المبين" "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل" "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس"، والجهاد وحمل السلاح هو الإستثناء لمن لم يقبل دعوة الرسل "قاتلوا الذين ﻻ يؤمنون" "وقاتلوا المشركين كافة" !!
والأوامر القرآنية الأولى جاءت الصحابة رضي الله عنهم بالعفو والصفح وكف الأيدي، وبالصبر الجميل والهجر الجميل، وذلك مع الكفرة الذين يسومونهم سوء العذاب، وﻻ يرقبون فيهم إﻻً وﻻ ذمة !!
وهذه نماذج من تلك الآيات "فاعف عنهم واصفح"، "فاصفح الصفح الجميل"، "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا"، "فاصبر صبراً جميلا"، "وأعرض عن الجاهلين"، "ألم ترى إلى الذين قيل لهم كفوا أيديَكم" "قل للذين آمنوا يغفروا للذين ﻻ يرجون أيام الله"، ونحوذلك كثير من الآيات التي تأمر الصحابة بالعفو والصفح وكف الأيدي والصبر الجميل مع أعدائهم من الكفرة والمجرمين !
مع أن الصحابة عرب أقحاح ﻻ يقبلون الضيم، يرضي أحدُهم الموتَ وﻻ يرضى الدنية، وهم مع ذلك أهلُ حلقةٍ وحرب ولدوا على صهوات الخيول وشبُّوا في ساحات الوغى، ولكن نزل القرآن يمنعهم من هذا مؤقتاً، ويأمرهم بالسلمية في مقابل شراسة أعدائهم، وذلك لكونهم مستضعفين، ولئلا تُستأصل شأفتُهم إذا صادموا الجاهليةَ من أول يومٍ بلا أدنى تكافؤ في القوى !! .
والجهادُ - أكرمنا الله به، ورفع لنا علمَه، وجعلنا من أهله ومن ذرياتنا - اكما ثبت في الشريعة، هو ذروةُ سنام الإسلام، فلو أن الإسلام كان جملاً فإن الجهاد سنامه وأعلى ما فيه، فالعجب ممن ينشدون السنام ولا جمل لديهم أصلاً ! أعني بالجمل عدَّة الجهاد ومقوماته من الأمير والأرض والحد الأدنى من التكافؤ في القوى مع العدو كما فصله الفقهاء، ونحو ذلك كثير !!
فهل يُسوِّغُ عاقلٌ طلب الولد بغير زواجٍ ولا جماع ؟! أو يطلبُ تمراً وما عندهُ النَّوى ولا الأرضُ التي يُغرس فيها ؟! ... فكيف إذاً يكون جهادٌ من مستضعف ؟! وقد قال تعالى : "إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا" [النساء: 98] ؟! ... أو يليق بمن لديه مسكة من عقلٍ أن يَرُشَّ بالماء من يعلم يقينا أنه يهريقُ دمَه، وينزعُهُ من حضن أمه وعزوته إلى ما وراء الشمس كما يقال، ويعذب الجيل الخامس من ذويه بلا بواكي ولا مانعين من الناس ؟!!
وأظن أنه قد حكى الإجماع غيرُ واحدٍ من أهل العلم، على أن القائد المسلم إذا غلب على ظنه أنه يُقتل وجنودُه بغير نكايةٍ في عدوهم، أنه يحرم عليه القتال ويجب عليه الإنصراف والتولي، فتأمل كيف أصبح التولي يوم الزحف الذي هو كبيرة موبقة واجباً ؟! وكيف يحرم الثبات ؟! كل ذلك لعلة الإستضعاف ؟! ولذا سمى النبي عليه السلام خالداً وأصحابه - رضي الله عنهم - يوم مؤتة كُراراً في الحقيقة، وقد فروا من الزحف والميدان في الظاهر، وذلك لرعايتهم الاستضعاف وحفظ نفوسهم !!
فكيف يكون جهادٌ ومجابهة والاستضعاف اليوم أكثر تعقيداً، والمسلمون اليوم بلا قيادة وﻻ جندية وﻻ دولة وﻻ أرض ولا أمير مطاع ولا سلاح ولا جيوش؟! ولماذا لم يجاهد النبيُ عليه السلام ثلاثة عشر سنة في مكة ؟! وبقي خلالها مكتفياً بتبليغ الدعوة ﻻ يضيره ما يلقى في سبيلها، ومكتفياً بالطواف على القبائل في المواسم والأسواق وهو ينادي : "من يحملني ؟! من يؤويني ؟! حتى أبلغ رسالة ربي"، حتى وجد الأنصار من أهل يثرب فبايعوه على حمايته، وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وذراريهم، فهاجر إليهم وأقام الدولة وأقام الجهاد !!
ومشهور من كلام أهل العلم أن مراحل الجهاد من الإستضعاف إلى القدرة والتمكين ليست منسوخة، وإنما يُتعامل مع ما يشبهها من الوقائع والنوازل بما يناسبه !!
فكلمة حكيمة هي لعمر الله، بل عبقرية - سلميتنا أقوى من الرصاص - نجى الله قائلها وأهلها، وإن سخر من سخر وجهل من جهل، وظاهرها أن سلميتنا في مواجهة عدونا الفاجر المستكبر المدجج، أقوى لنا عليه وأشد نكايةً فيه من رصاصنا الموجه إلى صدره، حيث هو يتوق إلى ذلك ليستبيح بيضتنا ويستأصل شأفتنا دونما شجبٌ عليه ولا استنكار !!
وهذا ظاهر ﻻ يخفى على الأعشى، إﻻ مطموسي البصائر وعديمي النظر والأهلية، وظاهر كذلك أن منى عين عدونا أن نحمل السلاح الذي سيكون بمثابة العصي والشوم، فيستبيح بيضتنا بالطائرة والدبابة والمدفع والفسفوري والكيماوي، مع بياض وجهه أمام ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي يعمل له ألف حساب، وإن أظهر غير ذلك أحيانا !!
نعم خسارتنا فادحة بل نقطة الدم الواحدة تسيل من مسلم وثوري مجاهد هي خسارة فادحة ! فلإن قُدِّر قتلانا بعشرة آﻻف قتيل في مواكب الشهداء رابعة وأخواتها، فإن نسبتهم قليلة مع ملايين القتلى في سوريا والعراق واليمن وغيرها ! ولإن حُبس خمسون ألفاً وشُرد مائة ألف فقد حبس وشرد الملايين المملينة من سوريا والعراق واليمن والجزائر وتونس والمغرب حتى ملأ ﻻجئوهم العالم !!
فيا معاشر الشباب الأحباب، خصوصاً أبناء العمل المؤسسي الجماعي والتنظيمي، "فلا كل من لبس الهدوم يزينها، وﻻكل من ركب الحصان خيال" !!
فعلى رسلكم ليس الجهاد بالعاطفة وﻻ بالأوهام، وإنما بالحساب الشرعي والنظر العقلي، وهذا من شأن القيادة ﻻ الجنود، ولو خلطنا الأوراق لهلك الحرث والنسل وفسدت البلاد والعباد .
وليس كل خلافٍ جاء معتبراً
إﻻ خلافٌ له حظٌّ من النظر .
فلا تغادروا رأي قيادتكم أهل الخبرة والدراية والأهلية إلى رأي غيرهم من شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، والزموا غرزهم واسمعوا وأطيعوا في مجال الرأي والخلاف السائغ، فإن عصوا الله ورسوله عصيانا بيناً ﻻ يَختلف فلا سمع لهم ساعتها وﻻ طاعة !!
وﻻ تغرنكم الشياطين بأنكم إذاً قطيع ! فقولوا نَعَم قطيع، ونِعْم القطيع ! فالصلاة لها أمام واحد إذا كبر كبرنا وإذاركع ركعنا وإذا سجد سجدنا وإذا انصرف انصرفنا، فهل نحن بهذا قطيع ؟! نِعم القطيع ! والأمة لها خليفة واحد، والوﻻية لها أمير واحد، والجيش له قائد أعلى واحد، فهل كل ما دون ذلك قطيع ؟! نِعم القطيع ! وهل الصواب حتى ﻻ نكون قطيعاً أن يصير الجندي قائداً والسباك دكتوراً والدكتور بياع فراخ ؟!!
سبحانك هذا بهتان عظيم !!