تحرير فرحات رمضان على الأحد، 23 حزيران/يونيو 2019
فئة: مدونات عربية

بين المذهبية والوهابية !!

بين المذهبية والوهابية !!
ـــــــــــــــ

** اقتضت إرادة الله تعالى، أن تكون الغالبية العظمى من مسائل الدين، مما يسع فيه الخلاف بين المسلمين، وذلك لكون أدلتِها محتمَلةً غيرَ قاطعة من جهة، ولاختلاف نظر ومدارك وإمكانيات المجتهدين في فهم تلك الأدلة ومقتضياتها من الحل والحرمة، والحظر والإباحة من جهةٍ أخرى، وهذا بخلاف النزر اليسير من مسائل الإجماع ومواضع الإتفاق !!

** وعلى هذا فإن عامة المجتهدين وطلاب العلم والعوام، يعملون بمقتضى مذاهبهم في مسائل الخلاف التي هي غالب المسائل كما أسلفنا، وربما ساغ لبعض المجتهدين محاولةُ أن يقطع لنفسه بصوابية قولٍ ما على القول الآخر، فمثله في هذا كمثل الحكم في قضيةٍ ما، يلزمه سماع الخصمين ومعرفة دعاواهما، وردود كلٍّ منهما على دعاوى صاحبه، وذلك قبل الشورى والمداولة، فضلاً عن الحكم والقضاء !!

فهذا المجتهد يلزمه أن يعرف الأقوال المختلفة في مذهبه بأدلتها، والتعقبات والردود من بعض المجتهدين في مذهبه أيضاً على بعض، ثم يقدح النظر فيها جميعاً بعد الإستعانة بالله تعالى، فإذا انقدح في ذهنه قولٌ منها ظن صوابيته على غيره، فحينئذٍ ربما ساغ لهذا المجتهد، أن يعمل في خاصة نفسه بما انتهى إليه بحثه، وربما لم يسغ له أن يفتيَ غيره إلا بمقتضى مذهبه لا بمقتضى بحثه، إلا أن يُستفتى عن رأيه هو نصاً، فربما ساغ له الإجابة عنه حينئذٍ !!

وأما النظر في أقوال المذاهب المختلفة والمقارنة بينها، فهذا لا يصلح له إلا الأفذاذ من الأئمة ومجتهدي المذاهب والمقارنات أمثال الإمام النووي والإمام ابن قدامة ومن شابههما !!

وأما النظر في الكتاب والسنة، والاستنباط منهما ، واستخلاص الأحكام منهما وتنزيلها على الوقائع والأحداث المساوية، فهذا عمل المجتهدين المطلقين كالأئمة الأربعة السادات وأمثالهم !!

** وإن الغالبية العظمى من الصحوة الإسلامية المعاصرة، سواءً الفصائل كالجهاديين أو السلفيين أو الإخوان، وسواءً الأفراد كالشيخ فلان والشيخ علان، فكلهم أو جلهم - فيما أظن - لا يتجاوزون كونهم طلبة علم أو مقلدين، جُلُّ ماعندهم من العلم في هذه المسائل الخلافية ورثوه اختيارا،ً أو اعتباراً، أو أمراً واقعاً، من الوهابية السعودية، المسماة بالسلفية، والتي اعترف مؤخراً ساستها المتولين لقيادتها فعلياً، أعني ولي عهدها الذي صدع على سمع الدنيا عبر الإعلام، بأن هذه الدعوة كانت صنيعة المخابرات الأمريكية، يعني في الخمسين سنة الأخيرة، وقد علم تاريخياً مثل ذلك من قبل المخابرات الإنجليزية، قبل نحو مائة سنة تقريبا، وأسقِط في يد شيوخها فلم ينكروا من ذاك الإعتراف حرفاً !!

** أما وقد اشتبهنا علينا الطعام، وشككنا أنه ربما كان مسموماً، فيلزمنا التوقف عنه فوراً، طلباً للسلامة التي لا يعدلها شيء، ثم استئناف الأكل من طعامٍ موثوق، ويلزم أيضاً تحليل الطعام المشتبِه لمعرفة السُّم، ومن ثمَّ معرفة العلاج المناسب، في مستشفيات وصيدليات ومعامل الأئمة الأربعة دونما سواها، لأنها مفزع الأمة على مدى اثنا عشر قرناً، وحصن عصمتها من التفرق والإنحراف، بخلاف ما يشاع عنها بالعكس من ذلك من قبل تلك الوهابية المتَّهمة أصلاً !!

وما نجحت الوهابية السعودية - المسماة تلبيساً بالسلفية المعاصرة، في السعودية خصوصاً وفي كل العالم الإسلامي عموماً - فيما نجحت فيه من الظهور والإنتشار، إلا بعد الحرب المبطنة على التمذهب، والعمل الدؤوب لتنحية المذاهب الفقهية، بالدسِّ والخديعة في الغالب، ووصمها بالتعصب ونحوه، لصرف أجيال الصحوة عنها، ليسهل قيادهم، وتلافي ثوراتهم على الحكام وجهادهم لهم، وقد كان للطواغيت من ذلك أكثر مما أمَّلوا !!

** فلا بد إذاً من العودة للتمذهب تعلماً وتعليماً وإفتاءً وقضاءً، ولا بد أيضاً من مراجعة الموروث الثقافي الوهابي السعودي المخابراتي، من جهة منهجية التلقي والنشر، ومن جهة مراتب العلوم والأعمال والحكم على الناس، لمعرفة حجم الخديعة التي أغرقنا فيها أعداؤنا، ولنكون ندَّاً لهم في المعركة التي أوَّلُها الوعيٌ، وآخرُها النصرٌ بإذن الله تعالى !!

#فرحات_رمضان