يتعجب المرء ممن ينسبون أنفسهم للعلم الشرعي والتحقيق والتدقيق وتراهم ينسون هذه الشعارات وتلك النعرات عند ذكر سيد قطب رحمة الله عليه .
فراحوا يبحثون عن أي شىء يطعنونه به، لأنهم لايريدون أن يستبصر الشباب بمثل هذا الجبل الأشم، ويظنون أن غبار شبهاتهم سيغطي على بهاء كتبات سيد قطب.
ومن هذه الفرى التي افتراها هؤلاء: أن سيد قطب قال بوحدة الوجود، وقصدوا بها أنه يقصد معنى وحدة الوجود عند بعض الفلاسفة وغلاة التصوف الذين قالوا: أن كلامي وعيني هما كلام وعين الله كما قال قائلهموكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه، وأنه ليس هناك موجود إلا الله، فليس غيره في الكون، وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة، هي الحقيقة الإلهية (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً)، هذه الحقيقة التي تنوعت وجوداتها، ومظاهرها في هذا الكون المشاهد، وليس هذا الكون -في هذه العقيدة الباطلة- إلا الله في زعمهم، تعالى الله عن ذلك.
ولم يفرقوا بين وحدة الوجود ووحدة الشهود والتي تعني مرتبة الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك).
ولما شاع كلامهم ووصل لأهل العلم؛ وضحوا ذلك لهم لكنهم مضوا في غيهم، حتى أن العلامة بكر عبد الله أبو زيد رحمة الله عليه قال في رسالته الذهبية في التعليق على ادعاءات المدخلي في حق سيد قطب قال:
ثالثًا: ومن العناوين الاستـفـزازيـــة قولكم (قول سيد قطب بوحدة الوجود).
إن سيدًا رحمه الله قال كلامًا متشابهًا حلق فيه بالأسلوب في تفسير سورتي الحديد والإخلاص وقد اعتمد عليه بنسبة القول بوحدة الوجود إليه، وأحسنتم حينما نقلتم قوله في تفسير سورة البقرة من رده الواضح الصريح لفكرة وحدة الوجود، ومنه قوله: (( ومن هنا تنتفي من التفكير الإسلامي الصحيح فكرة وحدة الوجود)) وأزيدكم أن في كتابه (مقومات التصور الإسلامي) ردًا شافيًا على القائلين بوحدة الوجود، لهذا فنحن نقول غفر الله لسيد كلامه المتشابه الذي جنح فيه بأسلوب وسع فيه العبارة.. والمتشابه لا يقاوم النص الصريح القاطع من كلامه، لهذا أرجو المبادرة إلى شطب هذا التكفير الضمني لسيد رحمه الله تعالى وإني مشفق عليكم.) انتهى
وسوف أسرد خمسة مواضع أثبت فيها براءة سيد قطب رحمة الله عليه من هذه الفرية والتي جاءت بعبارات واضحة جلية لاتخفى إلا على صاحب هوى.
وأولى هذه المواضع: قول رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه، بل له مافي السموات والأرض كل له قانتون، بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} [البقرة:117]، يقول في تفسيرها [3]: (والنظرية الإسلامية أن الخلق غير الخالق، وأن الخالق ليس كمثله شيء.. ومن هنا تنتفي من التصور الإسلامي فكرة وحدة الوجود - على ما يفهمه غير المسلم من هذا الإصطلاح - أي بمعنى أن الوجود وخالقه وحدة واحدة، أو أن الوجود إشعاع ذاتي للخالق، أو أن الوجود هو الصورة المرئية لموجده، أو على أي نحو من أنحاء التصور على هذا الأساس. والوجود وحدة في نظر المسلم على معنى أخر: وحدة صدروه عن الإراد ة الواحدة الخالقة، ووحدة ناموسه الذي يسير به.
الموضع الثاني:
...) يقول رحمة الله عليه في خصائص التصور الإسلامي : (يقوم التصور الإسلامي على أساس أن هناك الوهية وعبودية... ألوهية يتفرد بها الله سبحانه، وعبودية يشترك فيها كل من عداه... وكما يتفرد الله سبحانه بالأولوهية، كذلك يتفرد تبعا لهذا بكل خصائص الألوهية، وكما يشترك كل حي وكل شيء بعد ذلك في العبودية، كذلك يتجرد كل حي وكل شيء من خصائص الأولوهية.. فهناك إذن وجودان متميزان. وجود الله، ووجود ما عداه من عبيد الله، والعلاقة بين الوجودين هي علاقة الخالق بالمخلوق وإلاله بالعبيد.
الموضع الثالث:
يقول سيد رحمة الله عليه في تفسير آية الإسراء {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} : (وتذكر صفة العبودية {أسرى بعبده} لتقريرها وتوكيدها في مقام الإسراء والعروج إلى الدرجات التي لم يبلغها بشر، وذلك كي لاننسى هذه الصفة، ولا يلتبس مقام العبودية، بمقام الألوهية كما التبسا في العقائد المسيحية بعد عيسى عليه السلام، بسبب مالابس مولده ووفاته، وبسبب الآيات التي أعطيت له فاتخذها بعضهم سببا للخلط بين مقام العبودية ومقام الأولوهية.. وبذلك تبقى للعقيدة الاسلامية بساطتها ونصاعتها وتنزيهها للذات الإلهية عن كل شبهة من شرك أو مشابهة، من قريب أو من بعيد.
الموضع الرابع:
يقول رحمه الله عند قول الله عز وجل: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما، ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا} [النساء:172]: (لقد عني الإسلام عناية بالغة بتقرير حقيقة وحدانية الله سبحانه، وحدانية لا تتلبس بشبهة شرك أو مشابهة في صورة من الصور، وعني بتقرير أن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يشترك معه شيء في ماهية ولاصفة ولاخاصيه، كما عني بتقرير حقيقة الصلة بين الله سبحانه وكل شيء - بما في ذلك كل حي - وهي أنه صلة الوهية وعبودية، الوهية الله وعبودية كل شيء.. والمتتبع للقرآن كله يجد العناية، فيه بالغة بتقرير هذه الحقائق - أو هذه الحقيقة الواحدة بجوانبها هذه - بحيث لاتدع في النفس ظلا من شك أو شبهة أو غموض، ولقد عني الإسلام كذلك بأن يقرر أن هذه هي الحقيقة التي جاء بها الرسل أجمعون، تقررها في سيرة كل رسول، وفي دعوة كل رسول، وجعلها محور الرسالة من عهد نوح عليه السلام إلى عهد محمد خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام - تتكرر الدعوة بها على لسان كل رسول: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} وكان من العجيب أن اتباع الديانات السماوية - وهي حاسمة وصارمة في تقرير هذه الحقيقة - يكون منهم من يحرف هذه الحقيقة وينسب لله - سبحانه - البنين والبنات، أو ينسب لله سبحانه الإمتزاج مع أحد من خلقه في صور الأقانيم، اقتباسا من الوثنيات التي عاشت في الجاهليات! ألوهية وعبودية... ولا شيء غير هذه الحقيقة، ولا قاعدة إلا هذه القاعده ولا صلة إلا صلة الألوهية بالعبودية وصلة العبودية بالالوهية ولا تستقيم تصورات الناس - كما لا يستقيم حياتهم - إلا بتمحيص هذه الحقيقة من كل غبش، ومن كل شبهة، ومن كل ظل، أجل لا تستقيم تصورات الناس ولا تستقر مشاعرهم إلا حين يستيقنون حقيقة الصلة بينهم وبين ربهم، هو إله لهم وهم عبيده، هو خالق لهم وهم مخاليق.. هو مالك لهم وهم مماليك.. وهم كلهم سواء في هذه الصلة لا بنوة لأحد، ولا امتزاج بأحد.. ومن ثم لا قربى لأحد الا بشئ يملكه كل أحد ويوجه إرادته إليه فيبلغه " التقوى والعمل الصالح ".. وهذا في مستطاع كل أحد أن يحاوله، إن المسيح عيسى بن مريم لن يتعالى عن أن يكون عبدا لله، لأنه - عليه السلام - وهو نبي الله ورسوله خير من يعرف حقيقة الألوهية وحقيقة العبوديه، وإنهما ماهيتان مختلفتان لا تمتزجان. وهو خير من يعرف أنه من خلق الله فلايكون خلق الله كالله أو بعضا من الله.
الموضع الخامس:
ويقول الأستاذ سيد في تفسير قول الله عز وجل في سورة الحديد: {هو الأول والأخر والظاهر والباطن}: (هذا الوجود الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده، وهذه هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته، وليس وراءها حقيقة ذاتية ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود، إذن فهما وجودان: وجود الله، ووجود الأشياء الذي استمد وجوده من الله، وهما حقيقتان: حقيقة الله، وحقيقة الأشياء). هو يقول : إذن فهما وجودان : وجود الله، ووجود الأشياء الذي استمد وجوده من الله، وهما حقيقتان: حقيقة الله، وحقيقة الأشياء.
ولو سردنا ماقاله الاستاذ سيد عن مقام الألوهية ومقام العبودية لكتبنا الكثير مما تزخر به كتاباته التي تدل أن القوم يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة والطعن في سيد قطب رحمة الله عليه بل وتكفيره، ليصرفوا الشباب عن جهاده ضد الظلم والظالمين وعن كتابته التي تدعوا لنهضة الأمة وسلامة التوحيد وسيادة الشريعة.