تحرير احمد فتحي هنداوي على السبت، 05 تشرين1/أكتوير 2019
فئة: مدونات عربية

التطور السياسي للفكر الوهابي في السعودية وأثره على التيارات السلفية


أسس الشيخ محمد ابن عبد الوهاب -رحمه الله- لفكر ديني ذي طابع سياسي، استطاع من خلاله تكوين جماعة حركية كبيرة، واستطاعت الجماعة الوهابية -بمساعدة آل سعود حكام الدرعية- التوسع العسكري ومن ثم نشر فكرتها في منطقة نجد شرق الجزيرة العربية، منطلقة من تصور مفاده أن الإسلام عاد غريبًا كما بدأ أول مرة، وأن الجاهلية والشرك عمت الأرض كما كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

دخلت الوهابية في صراع مع العثمانيين، تم على أثره تدخل محمد على والي مصر، وانتهي بهزيمة الوهابيين وحلفائهم من آل سعود في معركة الدرعية سنة 1818م، خفت بعدها نجم الوهابية لمدة قرن من الزمان تقريبا، حتى قام الملك عبد العزيز آل سعود سنة 1911م بإعادة الإحياء العسكري للحركة، تحت مسمي حركة (إخوان من أطاع الله)، والتي استطاع من خلالها تأسيس المملكة السعودية.

ما لبث عبد العزيز أن قضى على الإخوان بمساعدة بريطانيا في موقعة السبلة عام 1929م، وأسس لفكر وهابي جديد نزع منه كل ما يتعلق بالسياسة والحكم، صممه ليكون حائط صد عن نظامه الناشئ ضد أي منازع سياسي محتمل، عن طريق تصوير الجانب الاجتماعي من الشريعة على أنها مسلك الأنبياء ومنهجهم، وتصوير الجانب السياسي والمشاركة السياسية على أنها طريق الفتنة والشر وعضب الرب.

استمر هذا الشكل قائمًا من خلال المؤسسات السعودية الرسمية، والتي تعد من أهمها هيئة كبار العلماء حتى فترة حكم الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والتي اتسمت بالتوجه نحو تغيير الطابع الوهابي للدولة، ودعم انتشار الثقافة الغربية في المملكة، وصبغ الدولة بالصبغة القومية بدلا من الصبغة الدينية.

مكن الثراء المادي وعصر البترول المملكة السعودية من نشر ايديولوجيتها، من خلال البعثات والمنح التعليمية، والدعم المادي للجماعات المتبنية للفكرة الوهابية، وطباعة الكتب والنشرات وغيرها، مما أنشأ ما بات يعرف بشكل واسع (بالتيار السلفي) الموالي للفكر الوهابي.

ونظرًا للاختلافات الظاهرة في مراحل تطور الفكر الوهابي، ظهرت عند اتباع التيار السلفي العديد من الطرق والمذاهب؛ والتي ترجمت بشكل أمين مسارات تغير وتشكل التيار الوهابي الأم، متخذة تيارين رئيسين تفرع عنهما العديد من الأشكال الهجين بينهما، وهما التيار السلفي الجهادي أو المسلح، والتيار السلفي المدافع عن (ولي الأمر) والذي بات يعرف في آخر تجلياته بالتيار المدخلي، وذلك مع تيارات أخرى ظهرت كخليط بين التيارين الرئيسيين السابقين، كتيار الدعوة السلفية المصري، أو تيارات نشأت في أصلها متأثرة بالفكر الحركي للإخوان المسلمين اصطبغت بصبغة سلفية نتيجة لوجودها في المجتمع السعودي كتيار الصحوة في السعودية.

يحاول البحث تتبع التطور الفكري للسلفية السعودية، ومحاولة التنبؤ بخط سير التيار السلفي في المملكة السعودية في المستقبل، وذلك من خلال دراسة ثلاثة مراحل، والتي أرى أنها النقاط المفصلية لتشكل الفكر الوهابي السعودي، وما عداها من فترات تاريخية لم تشكل في رأيي محطات تغيير فكري: مرحلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ثم مرحلة الملك عبد العزيز آل سعود وحركة "اخوان من أطاع الله"، مع ما كان لكل مرحلة فكرية من تداعيات على التيار السلفي، ثم مرحلة الملك سلمان وابنه محمد، محاولاً التنبؤ بأثرها على التيار محل البحث.

تساؤلات الدراسة:


1.كيف نشأت الفكرة السياسية الوهابية؟

2.كيف تطورت خلال مرحلة الملك عبد العزيز آل سعود؟

3.كيف تطورت الفكرة خلال مرحلة الملك سلمان بن عبد العزيز؟

4.ما هو التطور المتوقع للسلفية في المملكة السعودية؟

منهاجية الدراسة:

باعتبار أن المنهجية هي العلم الذي يبحث في الطرق التي يستخدمها الباحثون لدراسة المشكلة والوصول الى الحقيقة، وعلى اعتبار أن الفصل بين المناهج العلمية غير ممكن في البحث العلمي، لأن جميع المناهج خطوات مختلفة في منهج واحد فسأعتمد على عدة مناهج في الدراسة وهى:


1.المنهج التاريخي: حيث يأتي التركيز على هذا المنهج باعتباره يسرد الأحداث التاريخية ويحللها ويفسرها في واقعها التاريخي قصد الوصول الى معرفة الحاضر على اعتبار أن الواقع نتاج للتراكمات السابقة.

2.المنهج التحليلي: من خلال تحليل نصوص ابن عبد الوهاب المؤسسة للتيار الوهابي، في سياقها التاريخي الصحيح، والبحث عن أثرها في التيار السلي محل البحث.

أولاً: مرحلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-:

وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان النجدي التميمي، ولد سنة 1115ه في بلدة العيينة، من بلدان نجد، تلقى العلم في طفولته في بلدته، ثم انتقل الى المدينة المنورة يتلقى العلم، ثم قصد البصرة حيث سمع فيها الحديث والفقه والنحو وأتقنه، ثم عاد منها إلى نجد ([1]).

والقارئ لمؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب يستطيع أن يلمس بسهولة ووضوح اعتماده ونقله لآراء ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، يقول د. محمد خليل هراس([2])عن حركة الشيخ: "وكانت نشاطاتها في هذه الناحية امتداداً صحيحًا لحركة التصحيح الكبرى التي بدأها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد أخذت تنقب عن تلك الثروة الهائلة التي خلفها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله، وجد المسئولون في هذه الدعوة في إبراز هذه الكنوز بالطبع والنشر"([3]).

ومنذ النشأة حملت الدعوة الوهابية مشروعاً سياسياً، يؤكده الارتباط الوثيق والعلاقة السببية بين قيام الدولة السعودية وظهور الحركة الوهابية في منتصف القرن 18م، يتضح ذلك في أن أول من طرح فكرة هذه الدولة لم يكن من بين أمراء المدن المستقلة، ومن بينها الدرعية، بل كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة نفسه ([4]).

يروى بن بشر في تاريخه فيقول "فانتقل الشيخ بعدها إلى بلدة العيينة، ورئيسها يومئذ عثمان بن حمد بن معمر"؛ فتلقاه بالقبول وأكرمه؛ فعرض على عثمان ما قام به ودعا إليه وقرر له التوحيد، وحاول على نصرته، وقال له: إني أرجو إن انت قمت بنصر لا إله إلا الله أن يظهرك الله وتملك نجدا وأعرابها. فساعده عثمان على ذلك "([5])، ثم تخلى بن معمر بعد ذلك ونقض ما بينه وبين ابن عبد الوهاب، فخرج الشيخ إلى الدرعية وأميرها محمد بن سعود.

ويروى بن بشر ما دار من حديث بين ابن عبد الوهاب وابن سعود في أول لقاء لهما والذي عرف (باتفاق الدرعية) فقال " فقال له الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين. وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم، فمن تمسك بها، وعمل بها ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وانت ترى نجدًا كلها وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة، والاختلاف والقتال لبعضهم بعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك"([6]).

فالوهابية هي دعوة إلى (كلمة التوحيد) التي من عمل بها (ملك بها البلاد والعباد)، وهي ارتباط بين (إن انت قمت بنصر لا إله إلا الله) ونتيجة ذلك (أن يظهرك الله وتملك نجدًا وأعرابها)، أو كما يعبر عن ذلك د. أكرم حجازي فهي: " دعوة للتوحيد بشقيه عبر محاربة شرك القبور وشرك الحاكمية، ولو استعملنا مصطلحات سوسيولوجية لقلنا إن الدعوة استهدفت تحقيق (التوحيد الاجتماعي) و(التوحيد السياسي)، إذ ما من معنى لمحاربة مظاهر الشرك لتحقيق التوحيد دون استكماله بإقامة الحاكمية" ([7]).

يقول د. الدخيل " لقد برز البعد السياسي للتوحيد، وأخذت فعاليته تفصح عن نفسها بشكل لم يكن معهودًا من قبل، صار التوحيد في هذه المرحلة بمثابة الأساس الثقافي أو المبرر العقدي للوحدة السياسية التي كانت الدولة تعمل على تحقيقها، وعلى هذا الأساس عملت الوهابية على إقامة نوع من الترابط العضوي بين الاعتقاد بالمضمون الديني للتوحيد الذي كان الشيخ يكرر تأكيد أهميته ويعنى به توحيد الألوهية من ناحية، والانضواء تحت لواء الدولة الجديدة ([8])"

وبمتابعة بعض افكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في محاولة للكشف عن ملامح فكره السياسي، نجده يدور حول الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، باذلًا الوسع لتفسيرها، وتنزيل النصوص على واقع زمانه، كاستدلاله بما صح عنه e أنه قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ)، وقوله e: (ستفترق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)([9])، وقوله: "وأما ما دعونا الناس إليه، فندعوهم إلى التوحيد" ثم قال: "وأما ما نهينا الناس عنه، فنهيناهم عن الشرك"، ثم يقول: "ونقاتلهم عليه، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}"([10]).

فقد رأى الشيخ -رحمه الله- باجتهاده أن حال أهل زمانه قد خالف هدى السلف من الصحابة والتابعين، وانتشر فيهم ما حكم الشيخ عليه بأنه شرك، وبدع ليست من الإسلام وليست من هدي السلف الصالحين، وبذلك صار الإسلام غريباً كحاله يوم البعثة النبوية، كما رأى الشيخ أن الكثير من الفرق الإسلامية قد انحرفت عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، واستحقت الوعيد الوارد في الحديث أعلاه، ما انعكس على طبيعة تعامله مع البيئة المحيطة وطوائفها.

كذلك استقرئ الشيخ ابن عبد الوهاب بنظره الشرعي واقع السنة النبوية، مما كان له أعمق الأثر في الفكرة السياسية الوهابية، كمثل قوله: " فلما أنذر e الناس: استجاب له قليل، أما الأكثر فلم يتبعوا ولم ينكروا، حتى بادئهم e بالتنفير عن دينهم وبيان نقائصه وعيب آلهتهم، فاشتدت عداوتهم له ولمن تبعه، وعذبوهم عذابًا شديدًا، وأردوا أن يفتنوهم عن دينهم. فمن فهم هذا: عرف أن الإسلام لا يستقيم إلا بالعداوة لمن تركه، وعيب دينه، وإلا لو كان لهؤلاء المعذبين رخصة لفعلوا"([11]).


أثرت تعليمات الشيخ في معاصريه واتباعه الذين عاصروه أو جاءوا من بعده في مرحلة الدولة السعودية الأولى والثانية، خاصة مع استدعاء الشيخ والوهابيين للقوة العسكرية لحكام الدرعية لنشر المذهب وبسط نفوذه، مما جعل من تعليمات الشيخ المؤسس ما يشبه العقيدة العسكرية للحركة.

وبالنظر للتفسير للعملي للنصوص السابقة داخل الإطار الوهابي -بغض النظر عن قصد الشيخ المؤسس من عدمه، حيث يعتبر التطبيق العملي هو الفيصل في الخلاف الدائر- نجده قد تواتر عن الوهابيين ما يمكن أن نطلق عليه "جدلية انتشار الشرك في الجزيرة العربية" كحالته قبل مبعث النبي محمدe؛ فقد عاد الإسلام "غريباً كما بدأ"، وبالتالي فكلهم في النار إلا واحدة هي اتباع فرقة (الموحدين)، وهو المسمى الذي أطلقه الوهابيين على جماعتهم، في مقابل الآخرين أو (المشركين).

فقد صارت اجتهادات وتفسيرات الشيخ مستساغًا عند الاتباع لحرب أهل المدن المستقلة والبادية حربًا دينيةً عقائدية، واكتسبت الوهابية طابعًا هجوميًا ضد المخالف لها، إذ لا يسوغ السكوت عنه، مع وجوب المبادرة لمهاجمته وإظهار العداوة له، كما اظهرت الوهابية حالة من العدائية العقدية والحركية، بتقسيمهم المدن النجدية إلى مؤمنين ومشركين بحسب الخضوع السياسي لهذه المدن لهم من عدمه، يظهر ذلك في تسمية المؤرخ ابن غنام للمدن المنفصلة عن الدرعية بالمرتدين ([12]).

فقد اشتهر في الكتابات الوهابية مسألة انتشار الشرك في نجد والجزيرة حتى صار وصف الحالة كأن هؤلاء قد عادوا لحالة ما قبل الإسلام، ومن هنا صار تطبيق النصوص السابقة مستساغًا عند الوهابيين، فحاربوا أهل المدن المستقلة والبادية حربا دينية عقائدية، كانوا هم فيها حسب تعريفهم جند الإسلام ومقابلهم جند الشيطان، والمخالف السياسي للدعوة مرتد، حسب تعريف ابن غنام وابن بشر في تاريخهما، فكثيرا ما يشيران في روايتهما للمعارك إلى مقاتلي الدولة واتباع الشيخ بـ (المسلمين)، مما يدل على أن الطرف الآخر ليسوا مسلمين. وما يرويه الجبرتي من ندائهم في الحرب "هلموا إلي حرب المشركين"[13]، حال مقابلتهم مع الجيش العثماني.

وقد انعكس ذلك ايضاً على طبيعة تقسيم أغلب الحركات السلفية المعاصرة للمسلمين، بين متبع للمنهج السلفي الحق، وفى المقابل أهل البدع والأهواء والشرك، وتجد هذا التقسيم واضحاً في النظر لبعض الحركات الإسلامية الأخرى مثل الإخوان المسلمين وجماعة الدعوة والتبليغ. وبخاصة عند التيار المدخلي، فنجد مثلًا في الموقع الرسمي للدكتور محمد سعيد رسلان ([14]) ملف كامل متجدد يسمى (ملف خاص إلى جماعة الإخوان المسلمين) و(ملف خاص عن سيد قطب) لمهاجمة جماعة الإخوان المسلمين والتيار القطبي. مما كان له أثر كبير في تفرق واختلاف الحركة الإسلامية، وعدم التحام الحركة السلفية بالمجتمع منذ نشأتها.

يقول هيغهامر " لا ريب أن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، في عهد الملك فيصل، كانت مثيرة للسخرية بعض الشيء، بالنظر إلى عداء العلماء الوهابيين التاريخي للمسلمين غير الوهابيين، إذ أنهم إلى مستهل القرن العشرين، لم يعتبروا في الغالب غير الوهابيين مسلمين أصلًا، لكن ذلك تغير مع العولمة التي جعلت السعوديين على اتصال مع (الكافرين الأصليين) في الدول غير المسلمة"([15]).

ربما اعطى هذا نوع من التفسير لحالة العداء الغير مبرر بين الدعوة السلفية بالإسكندرية وجناحها السياسي حزب النور، ضد جماعة الإخوان المسلمين، والتي ظهرت جلية في مرحلة حكم الإخوان في مصر خلال (2012-2013م)، حتى نجد مشاركة الأمين العام لحزب النور في بيان الانقلاب على أول رئيس مصري منتخب يمثل تيار الإسلام السياسي في الحكم!

كذلك يمكن أن نرى انعكاس التصور الوهابي السابق واضحًا في قول الشيخ فتحي عثمان ([16]) عن حال المجتمع المصري يوم صدورِ مجلة "الهدي النبوي"([17]): "وكان تسعة وتسعون في المائة من الأمَّة على هذه الجاهلية في عملها وعقيدتها وخُلُقها، وحكمها ونظامها قد ضرَب الجهل على القلوب نِطاقًا مظلمًا أسود، حجب عنها كلَّ هُدًى، وكل نور"([18])، مصورا نفس الحالة التي صورها الشيخ ابن عبد الوهاب للواقع الاجتماعي من حوله.

ومما لا شك فيه ان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد استدل بنصوص من الكتاب والسنة والمصادر الإسلامية المعتد بها، ولكن تبقى الإشكالية في وصف الوهابيين للواقع، ومدى انطباق هذا التشخيص على الحالة النجدية، أو البيئات الأخرى التي تم تفعيل هذه النصوص فيها.

يرى د. خالد الدخيل أن المؤشرات كلها تدل على أن أهالي هذه المدن قد انتظموا بسهولة وسلاسة مع الدولة ومع الدعوة وما تنادى به من الناحية الدينية، ولا يوجد ما يشير إلى أن الدعوة كانت بحاجة لنشاطات إضافية لتلقين الناس التعاليم الدينية الجديدة للدولة، ولا يوجد في المصادر حالة واحدة عن مقاومة شعبية خاصة على أساس ديني، والسبب في ذلك هو انتفاء وجود عوامل أو دوافع دينية لمقاومة تمدد سلطة الدرعية، بل أن المذهب السائد بنجد قبل الدعوة الوهابية بقرون هو المذهب الحنبلي الذي تعتده الدعوة نفسها، يؤيد هذه الفرضية الدكتور عبد الله الصالح العثيمين حيث توصل إلى أن الوضع الديني في نجد لم يكن كئيبًا كما تصوره مصادر الوهابيين([19]).

وإذا صحت هذه الفرضية بأن الشرك لم يكن بهذا الانتشار الذي يصوره مؤرخا الوهابية الأوائل، فيمكننا أن نرى جليًا الميل الوهابي للاستنساخ الحرفي لواقع السيرة النبوية، في مدخلاتها ومخرجاتها، تفعيلًا للصورة الأصلية، واتبعًا للشعار السلفي الشهير "اتباع لا ابتداع" لا على مستوى المخرجات بل ايضًا على مستوى تخليق المدخلات.

إن الأيديولوجيا الوهابية، تتمحور حول إشكالية انتشار الشرك والجاهلية – بغض النظر عن حقيقة وجود هذا الشرك من عدمه حول المؤسس الأول في أرض الجزيرة العربية -، وتتخذ هذه الإشكالية سببًا لوجودها، فالفكرة لا مبرر لتفعيلها إلا في مجتمع ينتشر فيه الشرك، والحل لهذا الواقع من المنظور الوهابي هو الدعوة إلى العقيدة الصحيحة وقتال المشركين، أو إعادة التفعيل السياسي للسيرة النبوية.

ما لبثت أن ظهرت المناوشات بين الدرعية أو الدولة السعودية الأولى من جهة والعثمانيين من جهة أخرى، والتي انتهت بهزيمة الدرعية وحلفاؤها الوهابيين سنة 1818م على يد (محمد علي) والي مصر، ولكن استطاع تركي بن عبد الله تأسيس الدولة السعودية الثانية والتي استمرت حتى استيلاء محمد بن عبد الله بن رشيد أمير حائل على نجد سنة 1891 م.

اتسمت الفترة الأخيرة بتوافر العلماء الوهابيين، وقرب العلماء من آل الشيخ من السلطة السياسية، ولكن على مستوى الفكر السياسي الوهابي -بحسب اطلاعي- لم يحدث له تغيير جذري أو تطور، وإنما اقتصرت على المؤلفات الموضحة والمؤكدة للفكرة.

ثانياً: مرحلة الملك عبد العزيز آل سعود وصياغة الوهابية المعاصرة:

تبنت المملكة العربية السعودية الأيديولوجيا الوهابية إثر قيامها سنة 1932م، حيث اتخذ آل سعود من التبشير بالإصلاح الديني على الطريقة الوهابية ركيزة وراية في صراعهم من أجل توحيد أراضي نجد بزعامة الرياض، واتخذ الملك عبد العزيز آل سعود لقب الإمام، ولم يكن ذلك يعنى أن يؤم المصلين فحسب، بل أيضا زعامته لجميع الموحدين المناهضين للمشركين من مسلمي البلدان الأخرى ([20]).

وقد أدرك الساسة البريطانيون مبكرا أن البيت السعودي لابد وأن يطرح الوهابية، إذا ما وصل لحد معين من الانتشار، لأن التوسع بعد ذلك خارج قدرة الملك، ولا يتحقق إلا بالفكرة الوهابية ([21]).

نشأت حركة الإخوان ([22]) حوالي سنة 1911م، وبعيدا عن جدلية النشأة، فسواء نشأت قبل الملك عبد العزيز أو هو الذي أنشأها، فلا ريب أن الحركة اقترنت به وهو الذي ادخلها التاريخ أو هو الذي غير بها التاريخ.

وقد جدت الحركة في تفعيل التصور الوهابي، وأخذت تنتشر بسرعة، حيث ترك أفراد الحركة قبائلهم في البادية وكونوا مجتمعات جديدة سموها (بالهجر)، بمعنى دار الهجرة، واطلقوا على مجتمعاتهم القديمة لفظ (الجاهلية)، كما سموا الحياة الجديدة (بالإسلام)، وقد غالى الإخوان في كره (الجاهلية)، أو حياة البادية، وكل ما يمت لها بصله، فرأوا أن من آية الإخلاص لله ودينه التخلص من كل ما يشتم منه رائحة الجاهلية، فأخذوا يبيعون إبلهم وأغنامهم، وينقطعون في الهجر للعبادة وسماع السيرة النبوية([23])، مستوحين أيضًا فكرة (البيئة النبوية) والتي أوحت لهم بالهجرة وفراق الأوطان بل وترك الأموال والمتاع ورائهم، وتسمية دار الهجرة بالنسبة لهم بدار الإسلام، ومجتمعاتهم القديمة بالجاهلية.

يقول محمد أسد ([24]) "التعصب الديني الشديد الذي تميز به الإخوان، كان يماثله التشدد الديني عند السلفيين القدامى، ويفسر هذا اعتبار من هو ليس بأخ أو كل من هو ليس بسلفي، كافر يحل قتله وأخذ أمواله"، ويعلل محمد جلال كشك بأن ذلك بسبب أنه إن لم يفعل؛ فبأي حق يستحل دمهم ومالهم، ويجندون لقتالهم، وكيف يستشهد الأخ، إلا في قتال الكفرة والمشركين، هل لو علموهم أن غير الاخوان مسلمون وهم يعلمون القاتل والمقتول في النار!! أكان يقوم جيش الاخوان أو تتحرر وتقوم مملكة ابن سعود!!

نلاحظ هذه الفكرة جليةً في مثال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والذي ينتمي للفكرة الوهابية الأم، فالتنظيم يعتمد بشكل كبير في كتابات منظريه على مؤلفات وفتاوى علماء نجد خاصة كتاب (الدرر السنية)([25])؛ فقد تسمى التنظيم بمسمي (الدولة الإسلامية) في مقابلة مع الكيانات الأخرى والتي يعتقد التنظيم بكفرها، كما أعلن قائد التنظيم وجوب البيعة له على مجموع المسلمين!، كذلك قام التنظيم بتكفير المخالف السياسي، ومن ثم استحلال قتاله وقتله، بما في ذلك الحركات السلفية الأخرى والتي تتبني نفس الأيديولوجيا الدينية للتنظيم، في ترجمة أمينة لأفكار ابن عبد الوهاب واتباعه.

أما عن طبيعة (حركة الإخوان) فيرى كشك أنه كان مشروعًا عقائديًا عسكريًا لخلق مقاتل عقائدي، حتى ولو مارس الزراعة في فترات السلم وبصفة مؤقته، أي كان أيضًا مشروعًا سياسيًا دينيًا، لكنه ايضًا فاقد للتصور وقابل للاستغلال على مستوى الأفراد. يقول محمد أسد " فها هنا رجال إيمانهم يفوق أي اهتمام لهم في الحياة، كانوا يعتقدون أنهم يجاهدون في سبيل الإسلام، ولإعلاء كلمة الله، غير واعين أن حميتهم وشوقهم إنما كانا يستغلان"، ويقول "إنهم كالجن، لا يعرفون متع الحياة، ولا خوف الممات، إنهم شجعان، وأقوياء الإيمان، لكن كل ما يحلمون به هو الدم والموت والجنة"([26]).

ومع احتدام الخلاف بين الحركة والملك تقابل الفريقان في معركة السبلة في مارس 1929م، حيث انتهت بانتصار قوات آل سعود، بدعم من بريطانيا، حيث اعتبرت آخر المعارك الرئيسية التي خاضها عبد العزيز في سبيل تأسيس المملكة العربية السعودية، بعدما استغل الحركة أيديولوجيا وعسكريا لمدة ما يقرب من عشرين سنة استطاع خلالها التوسع في معظم مناطق الجزيرة العربية، وتأسيس المملكة، في حين حصل الإخوان على بغيتهم بالدم والموت، وتدجين ما بقي منهم.

ومع القضاء على حركة الإخوان، -وفي سلوك مشابه لفعل العلمانيين في أوروبا حال اسقاطهم الحكم الكنسي، واحتفاظهم بقرب رجال الدين، ليستفيدوا من نظرية (الحق الإلهي) في الحكم-، عملت المملكة السعودية الناشئة على قطع جزور الإحياء السياسي الوهابي مرة أخرى، وفي نفس الوقت استفادت من السلطان الديني للحركة، مستنبتة لشكل مختلف من الوهابية، تضخمت فيه وصاية الدولة على الدين، وتبني (التوحيد الاجتماعي) في مقابل بتر (التوحيد السياسي)، فثبتت محاربة شرك القبور تدريجيًا فيما أسقطت محاربة شرك الحاكمية كليًا، إلا حين يكون ثمة حاجة لتنزيلها في موضع معين، أو في ظروف تخدم النظام السياسي على وجه الخصوص([27])، هذا البتر المتعمد الذي أخرج الوهابية في شكل كيان غير متناسق، مارس العديد من أشكال التشدد الديني ضد المجتمعات المسلمة، وفي المقابل مارس نوعًا من التبرير المتعمد لأشكال الظلم والفساد القائمة في الأنظمة العربية، حتى صار يطلق عليها (سلفية ولاة الأمر).

نجد حالة الاسقاط المتعمد لكل ما يمت للحكم والسياسة من العقل السلفي والتحذير منه، منتشر بشدة في فتاوى علماء السلفية السعودية، يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: أنصح بالإعراض عن التدخل في شؤون السياسة وأن يقبلوا على العلم النافع.

ويقول الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-: "السياسة ليست لعامة الناس والسياسة لها أناس وهم ولاة الأمر"، ويقول: "الكلام في السياسة في عامة الناس خطأ لأن السياسة لها أهلها وهم الحكام"، ويقول: "وإشغال الشباب بالسياسة وفقه الواقع خطأ في المنهج"، ويقول: "لا تكاد تجد إنساناً يتكلم في أمور السياسة وهو يقصد مصلحة الأمة"، ويقول: "ليس لعامة الناس أن يلوكوا ألسنتهم بسياسة ولاة الأمور ومن أراد أن يكون للناس رأي في سياسة ولاة الأمر فقد ضل".

ويقول الشيخ صالح الفوزان: "إشغال الناس بالسياسة والكلام فيما لا ينفعهم ليس من منهج الدعاة إلى الله"، ويقول: "الاشتغال بالسياسة يثير فتنةً ويثير شرًّا"، ويقول: "يجب على أهل العلم أن يبينوا الحق للناس لا أن يشغلوا الناس بالسياسة". ولا أعرف مقصود الشيخ الفوزان (بالحق) الذي يبينه للناس، وهل أمور الانتخاب والتمثيل النيابي وإحلال العدالة في البلاد من أمور الباطل!

أما الشيخ ربيع المدخلي فيقول: "يا شباب الاسلام لا يخدعنكم بريق السياسة ومطامعها؛ عليكم بنهج الأنبياء"([28]).

ونتيجة لهذا الواقع ومرور الفكر الوهابي بالعديد من المحطات؛ اختلفت تفسيرات الحركات السلفية ومناهجها اختلافًا شديدًا، بين متبع لحالة التأسيس، والبعث الإخواني على يد عبد العزيز آل سعود، ومتبع للمنهج الذي أسس له آل سعود بعد القضاء على حركة الإخوان.

وقد برز في السنوات الأخيرة على الساحة السياسية السعودية العديد من التيارات السلفية، تعود في فكرها إلى الرافدين الأساسيين السابقين، بشكل نقي كالتيارات الجهادية والتيارات المدخلية، أو تيارات تأثرت بالفكرة السلفية من حيث العقيدة والنهج الفقهي، مع انتهاجها لشكل حركي مختلف كتيار الصحوة، كالتالي:


1.السلفية الجهادية:

وهو التيار المتمسك بالشكل الوهابي الأول، يعرف أبو محمد المقدسي منظر السلفية الجهادية الأبرزالتيار بقوله " السلفية الجهادية هو تيار يجمع بين الدعوة إلي التوحيد بشموليته والجهاد لأجل ذلك في آن واحد، أو قل هو تيار يسعي لتحقيق التوحيد بجهاد الطواغيت"([29]). فالسلفية الجهادية بهذا التعريف ستعمل على مستويين متوازيين المستوي الفكري النظري وهو "التوحيد"، ومستوي القتال والحركة وهو "الجهاد".

وقد برز إهتمام الجهاديين بالوهابية أو السلفية بشكل لافت للنظر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م، وما تبعها من دخول شيوخ نجديين على الخط الجهادي أمثال "على الخضير" و"أحمد الخالدي"، لكن يقع التأثير الأكبر للمنظر العلمي للسلفية الجهادية الأبرز أبو محمد المقدسي في تبني السلفية الجهادية لهذا الخط الوهابي، حيث اهتم بإحياء وتفعيل مفهوم "التوحيد" كأهم مصطلح شرعي على الإطلاق، لا يوازيه في المكانة شئ، وركز في مؤلفاته بشكل أساسي على آراء ابن تيمية ومحمد ابن عبد الوهاب وشيوخ نجد، وقام بعملية إحياء للتراث السياسي للدعوة الوهابية، مركزًا على قضايا"الحاكمية" و"الولاء والبراء" و"الكفر والإيمان"مفردا لذلك مؤلفات مثل "ملة إبراهيم" و"الثلاثينية في التحذير من الغلو في التكفير" و"هذه عقيدتنا".

كذلك قام المقدسي بمهاجمة المؤسسات الدينية الرسمية والحركات الإسلامية الأخري خاصة ذات الطابع السلفي الإصلاحي متهما إياها بالمهادنة للأنظمة الحاكمة والتلفيق الفقهي([30])، كما هاجم القوانين الوضعية والديمقراطية والتي اعتبرها كفر صريح بالدين الإسلامي([31]).

أما بالنسبة للانتشار الجغرافي للسلفية الجهادية، يوضح أبو مصعب السوري([32]) أماكن نشأة وتبلور الفكر الجهادي العالمي فيقول: "ولقد كان الميدان الأساسي لنضوج هذه المكونات الفكرية المنهجية خلال السبعينيات والثمانينيات في مصر والشام والجزيرة العربية وخاصة في بلاد الحرمين"([33]).

فقد ظهرت الارهاصات الأولى لهذا التيار في عهد الدولة السعودية الثالثة، بدايةً من أحداث الحرم المكي عام 1979م، حيث قامت الجماعة السلفية المحتسبة بقيادة (جهيمان العتيبي) بمحاولة الإنقلاب المسلح على النظام السعودي.

كما ظهر ما عرف "بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية" إثر اندماج فرعي تنظيم القاعدة السعودي واليمني، وقام تنظيم القاعدة بعدد من العمليات في الأراضي السعودية أبرزها، هجوم بسيارة مفخخة على إدارة للحرس الوطني في فبراير 1995، وهجوم بشاحنة مفخخة على قاعدة عسكرية أميركية بالخبر خلف 19 قتيلا وحوالي 500 جريح في يونيو 1996م، وهاجم مسلحون مقر القنصلية الأميركية بمدينة جدة وقتلوا خمسة من عمال القنصلية.

قامت القوات السعودية عام 2005م، بعملية واسعة على معاقل التنظيم، ووجهت له ضربة موجعة على إثر مقتل قائده "عبد العزيز المقرن" في يونيو 2004م، وكذلك عدد من قادته ومقاتليه واعتقال عدد آخر، وهو ما أدى إلى تراجع عمليات التنظيم خاصة الكبيرة منها، وتوجه عناصر التنظيم نحو اليمن([34]).


2.تيار سلفية ولاة الأمر (التيار الجامي المدخلي):

تبلورت فكرة (سلفية ولاة الأمر) في السعودية مع القضاء على حركة الاخوان أو (السلفية المقاتلة)، واتخذت من المؤسسات الرسمية كالهيئات الدينية والجامعات مجالًا لنشر فكرتها، خاصة (هيئة كبار العلماء) والتي نشأت عام 1971م، وقد تبلورت الفكرة في شكلها الأخير وظهر مسمى (الجامية) أو(المدخلية) إبان حرب الخليج أول التسعينيات، كرد فعل على صعود التيار الصحوي معارضًا لتوجهات الحكومة السعودية في الاستعانة بقوات الحلفاء لرد الغزو العراقي الكويتي ([35]).

وتنتسب السلفية المدخلية إلي الشيخ محمد أمان الله الجامي([36])، ثم خلفه في قيادة هذا الاتجاه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، والذي كان في الأصل مسئولًا عن جماعة الإخوان المسلمين بالمدينة المنورة ثم تحول للاتجاه الجامي ([37]).

يتميز هذا التيار عن غيره من التيارات السلفية في الغلو في طاعة الأنظمة الحاكمة، وجرح المخالف، كما يلي:


أ‌. مسألة الغلو في طاعة الأنظمة الحاكمة:

من مبادئ الجامية تأكيد الطاعة لولي الأمر، ورفض الحاكمية ([38])، يؤكد على ذلك أحد أشهر قادة التيار الشيخ محمود لطفي عامر، رئيس فرع أنصار السنة بدمنهور، حيث يخاطب في مقاله بعنوان "هذا بيان لمدعي السلفية" ممتحنًا انتمائهم إلى السلفية بعدد من الأسئلة تدور حول " هل يعتقدون بإمامة وولاية الرئيس محمد حسني مبارك أم لا؟" وما هو موقفهم من توريث نجله جمال مبارك على ضوء ذلك، مطالبا لهم بالتدليل على ذلك بمنهج السلف ([39]).

فقد بادر عامر خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بمبايعة مبارك، كونه أمير المؤمنين في مصر!([40])، مما جعل أجهزة الدولة نفسها ترفض هذه المبالغة في شخص رئيس الدولة، ومما هو جدير بالذكر أن "أنصار السنة" نفت رسمياً نسبة فتوي عامر إليها([41]).

كما أفتى عامر بقتل "د. محمد البرادعي" لأنه معارض سياسي لنظام مبارك والذي لا تجوز شرعًا وعقلًا منازعته –حسب تعبيره- ([42])، وهذا يدلل على حالة من التشرب اللامعقول بفكرة الطاعة المطلقة للحاكم، مما سوغ له فكرة بقاء الحاكم في السلطة فترة حياته، وقتل المنافس السياسي له!

ويوضح الشيخ محمد سعيد رسلان ([43]) أن أصحاب منهج النبوة يحفظون حقوق ولاة الأمر، وأهمها وأخترها: السمع والطاعة للحاكم، حيث لا تأتي الفتن إلا من معارضة الحكام، ويصل هذا إلى حرمة المعارضة "بالكلام" ([44])، أي بالتظاهر أو الكلام وذكر عيوب النظام حيث يطلق عليهم مسمي الخوارج القعدة، ويراهم أخبث فرق الخوارج ([45]).


ب‌. غلوه في جرح المخالفين:

من مبادئ الجامية نقد الجماعات الإسلامية الأخرى، بما في ذلك الحركات السلمية كالإخوان المسلمين أو التبليغ أو السلفيين المخالفين لهم، ويتوجهون بالنقد الشديد للصحويين والسروريين، ويبدعون ويتهمون سيد قطب وعقيدته ([46]).

حيث يفرد رسلان على موقعه الرسمي ثلاثة صفحات لمهاجمة الجماعات الإسلامية بعنوان ملف خاص عن "سيد قطب" و"العمل الجماعي التنظيمي" و"جماعة الإخوان المسلمين"، ويعدد في كتابه "كفي غشًا للمسلمين" الآثار السيئة للجماعات الإسلامية ويري أن هذه الجماعات، وهذه التجمعات الحركية التنظيمية، وهذا العمل الجماعي التنظيمي بدعة منتنة مزقت الأمة، واذهبت قوتها ([47]).

ولكن مع هذه الحالة من نقد التنظيمات الإسلامية فإن المتتبع لشأن التيار المدخلي يجدهم في حقيقة الأمر يكونون تنظيمًا بشكل ما، فالتيار المدخلي ينسق فيما بينه عن طريق المحاضرات والدروس العلمية والأسابيع الثقافية والمعاهد العلمية، وانتقال طلبة العلم بين المحاضرين أو مشايخ التيار، مع ما للتيار من فكر موحد لا يكاد يظهر بينهم اوجه للخلاف إلا في مسائل بسيطة، ولذلك فمشايخ التيار المدخلي في رأيي يكونون جماعة اجتمعت على تحريم الاجتماع.

فالسلفية المدخلية هو تيار يعمل في العمل الاجتماعي وإصلاح العقائد الدينية والدعوة الإسلامية، ولا يعمل في المجال السياسي بالمشاركة الايجابية، ولكنه يعمل في المجال السياسي سلبيًا - إن جاز التعبير – بقوة؛ لوأد الحراك السياسي، فالتيار يهاجم بشدة كل من يتعرض للنظام السياسي عامة وشخص رئيس النظام بشكل خاص، ويتخصص في مهاجمة الجماعات التي تسعي لإحداث التغيير السياسي بعامة بداية من الجماعات الجهادية العنيفة وانتهاء بالجماعات السلمية المعارضة، وحتي الدعاة المستقلون الذين قد يعارضون أفعال النظام بين الحين والآخر، وحتي المعارضون السياسيون المستقلون، ومن هنا يعمل على إحداث التوازنات داخل الدولة للحد من انتشار الحركات المعارضة بوجه عام والسلفية المعارضة للحاكم منها بشكل خاص.

ولا أدل على ذلك من قول طلعت زهران([48]): "لو تغلب شنودة فهو إمامنا، فمن تغلب فهو إمام شرعي لا يجوز معارضته"([49])، مصححًا لتولي رجل الدين ورأس الكنيسة المصرية لرئاسة الدولة، مخالفًا لفكر معظم الحركات الإسلامية والعلمانية بل وحتى تعليمات الديانة المسيحية، فالعبرة عند زهران للتغلب والقوة الباطشة، ليس للانتخاب وآليات الديمقراطية أو المجتمع المدني والذي سبق عامر بالدعوة لتحريمها وقتل المخالف السياسي!


3.تيار الصحوة الإسلامية:

شهدت السعودية ظهور ما عرف بتيار "الصحوة" بداية من ستينيات القرن الماضي، وهو تيار يجمع بين السلفية التقليدية وتعاليم حركة "الإخوان المسلمين"، نشأ التيار نتيجة لهجرة عناصر من الجماعة إلى المملكة نتيجة لظروف سياسية واقتصادية، وسرعان ما اختلطت هذه المجموعات بالنسيج الاجتماعي السعودي؛ ساعد على ذلك عملهم في إنشاء المعاهد والكليات والتدريس فيها وتأليف الكتب ووضع المناهج الدراسية لأبناء المملكة، فاستطاعوا بث ايديولوجيتهم ونظرتهم، لما كانوا يتمتعون به من خبرات تنقص المملكة في ذلك الحين.

برز من هؤلاء أسماء مثل الشيخ سعيد حوى الذي درس بالهفوف والمدينة المنورة سنة 1966م، وأصبح منظر حركة الاخوان المسلمين في سوريا لاحقًا، واشتهر بكتاباته خصوصًا كتابه "جند الله ثقافة وأخلاقًا"، والشيخ محمد سرور زين العابدين، الذي درس في المعاهد العلمية في حائل وبريدة والمنطقة الشرقية سنة 1965م، والذي صار فيما بعد الموجه الروحي للتيار السروري.

كذلك برز اسم الشيخ محمد قطب الذي اشتغل بالتدريس في كلية الشريعة بمكة المكرمة بداية من عام 1971م، بوصفه الوريث الفكري لسيد قطب -رحمه الله-، حيث سعي للجمع بين المدرستين القطبية والوهابية، هذا الجمع الذي اكتمل ونضج في مؤلفات الشيخ عبد المجيد الشاذلي -رحمه الله-، والذي صاغ الفكر القطبي في قالب سلفي محكم، كذلك ساهم الأستاذ محمد أحمد الراشد في قولبة النشاط الحركي للصحوة في إطار نظري انسجامًا مع التعاليم الوهابية مستندا إلى أقوال ابن تيمية وابن القيم.

وبعد حادثة الحرم عام 1979م، واستهداف النظام السعودي لجماعة "أهل الحديث" بشكل عام، والتي تمثل العدو التقليدي للتيار الصحوي، انفتحت آفاق ارحب للانتشار أمام تيار الصحوة، والذي كان قد استقرت في القلب من النظام عن طريق التغلغل في النظام التعليمي، والأنشطة الاجتماعية، كما افاد الوضع الإقليمي، إثر قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تيار الصحوة، فالصحويون هم الوحيدون القادرون على مقابلة الخطاب الثوري للخميني بخطاب مضاد، فاصبحوا ضروريين للنظام وتضاعفت الفرص الممنوحة أمامهم([50]).

ونتيجة للعمل الدعوي والتربوي للتيار ظهر في الثمانينيات عدد من الرموز والدعاة تربوا داخل التيار، عُرفوا باسم "شيوخ الصحوة"، كان من أبرزهم: سفر الحوالي، وسلمان العودة، وعائض القرني، وناصر العمر.

أدت حرب الخليج سنة 1991م واستعانة النظام السعودي بالولايات المتحدة إثر احتلال الكويت، لتصاعد التوتر بين "شيوخ الصحوة" والنظام، حيث اتخذ تيار الصحوة موقفًا رافضًا لهذه الخطوة ونظم حملة تنتقد هذا القرار، واستمرت هذه الموجة المتصاعدة في نقد النظام وتحولت محاضرات رموز الصحوة ودروسهم إلى خطب سياسية، عززت من قبولهم في أوساط المجتمع السعودي.

وترافق ذلك مع تحركات حكومية لقمع تيار الصحوة وعزله شعبيًا واعتقال رموزه وعلى رأسهم سلمان العودة وسفر الحوالي، ليبقوا في السجن حتى 1999م.

ولكن بعد عدة سنوات انقشعت غيوم تلك المواجهة بخروج رموز هذا التيار من السجن مع مراجعات فكرية كان بعضها جذريًا مثل التراجع عن الضغط على الحكومة، ومعارضتها في العلن، واستبدل ذلك بمصطلح «النصح» للحكومة ومراسلتها، مع التأكيد على طاعة أولياء الأمر وحُرمة الخروج عليهم([51]).


ثالثاً: مرحلة الملك سلمان بن عبد العزيز وولده:


قام النظام السعودي بحركة اعتقالات مطلع نوفمبر 2017، طالت 11 أميرًا، وأربعة وزراء حاليين، وعشرات الوزراء السابقين، بحجة تورطهم في قضايا فساد، والتي تزامنت مع صدور أوامر ملكية بإقالة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله من منصبه، وإنهاء خدمات قائد القوات البحرية الفريق عبد الله السلطان، وإقالة وزير الاقتصاد والتخطيط، وقد نقلت صحيفة لوموند عن كريستيان أولريكسن عضو معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس (تكساس)، قوله: "يبدو أن نطاق ومدى هذه الاعتقالات لم يسبق له مثيل في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث".

يؤكد ذلك نية النظام السعودي لإحداث تغيرات حادة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة مع اقدام النظام على اعتقال الوليد بن طلال، الذي من شأنه، بحسب أولريكسن: "أن يسبب موجة من الصدمات على المستوى الداخلي وكذلك في عالم المال على المستوى الدولي"([52]).

فإذا كانت الدولة السعودية المعاصرة قد قضت على (التوحيد السياسي) وأبقت على (التوحيد الاجتماعي)، فإن مرحلة الملك سلمان تشي بالعد التنازلي للقضاء على ما بقي من الصبغة الوهابية، يرى ديفيد إغناتيوس: أن هناك طريقة بسيطة لشرح هدف الأمير محمد بن سلمان؛ وهي أنّه يود أن يجعل المملكة العربية السعودية المنغلقة على نفسها والحذرة تبدو مثل دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة، مع ناطحات السحاب المذهلة واقتصاد السوق الحر.

يبدو أنَّ الأمير يدرك أنَّ مثل هذا التحوّل الاقتصادي لن يكون ممكنًا من دون تخفيف حدّة التقاليد الإسلامية الصارمة في المملكة العربية السعودية ([53]).

ومن جهته يرى الخبير في الشأن السعودي سامح راشد أن التحركات الداخلية الأخيرة تحمل مؤشرًا يفيد أن هناك نية لتخفيف الطابع الديني وحصر ارتباط اسم المملكة بالدين بشكل عام، إذ ستتجه الأمور إلى درجة أعلى من التركيز على الهوية الوطنية للمملكة كدولة وطنية. والاهتمام بالنواحي الدنيوية، مثل الرياضة والتكنولوجيا. ومن إشارات ذلك حضور ابن سلمان مباراة السعودية واليابان في تصفيات كأس العالم لكرة القدم.

لذلك يمكن بسهولة توقع أن تحدث تغييرات أخرى في المؤسسات الدينية، مثل هيئة كبار العلماء. في اتجاه تقليل سطوة رجال الدين والحد من وزنهم النسبي في السياسة وتركيبة الحكم ([54]).

ومن مؤشرات ذلك يمكننا أن نرصد:


1.قيام السلطات السعودية في نيسان 2016 بتجميد عمل "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، كما اعتقلت الداعية الإسلامي سليمان الدويش، كذلك اعتقل بالتزامن مع توقيف الدويش، الشيخ عبد العزيز الطريفي، الذي يعد أحد أبرز المنظرين الشباب للتيار السلفي في السعودية، كما اعتقلت السلطات السعودية بعدها بشهرين الباحث الإسلامي الشهير، إبراهيم السكران، الذي قال إن حركة الإصلاح الديني المزعومة لابن سلمان إنما هي حركة تسويقية لاسترضاء حلفائه في أميركا ([55]).

2.وقد كانت السعودية قررت رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، ويستند الحظر الحكومي لقيادة المرأة للسيارات إلى فتوى رسمية، ففي العام 1990م نشرت هيئة كبار العلماء، وهي أعلى سلطة دينية في السعودية، فتوى تعتبر أن قيادة المرأة السيارة أمر مخالف للشريعة الإسلامية. ولكن في 26 سبتمبر/أيلول 2017 أصدر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمرًا بمنح المرأة حق قيادة السيارات، وجاء في نص المرسوم أن أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية أفتوا بأن الأصل في قيادة المرأة للمركبة الإباحة ([56]).

3.أكدت صحفيتان إسرائيليتان الأنباء التي ترددت عن زيارة ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» لإسرائيل ([57])، مما يشي بقرب عمليات التطبيع بين المملكة والكيان الصهيوني.

4.وفي تطور مذهل صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن فرقة الباليه الروسية الشهيرة فرقة مسرح البولشوي ستحط رحالها في السعودية للمرة الأولى في تاريخها، وتقدم عرضاً على أحد المسارح ضمن اتفاق ثقافي روسي سعودي، بتكليف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الموسم الفني لـ 2018، وفقاً لإعلان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أثناء لقائه نظيره السعودي عادل الجبير.


وأثناء اللقاءات الثنائية بين الرئيس الروسي والعاهل السعودي اتفق الجانبان على برنامج التعاون الثقافي حتى عام 2019م، والذي يتضمن جولة فنية لأوركسترا مسرح مارينسكي إلى المملكة، وكذلك عدد من الفرق الفنية الأخرى.


5. كما أعادت السعودية بث الأغاني على شاشة إحدى القنوات الرسمية التابعة لها، وذلك بعد عقود من التوقف عن بثها. وأفادت القناة الثقافية السعودية بأنها ستبدأ بث الحفلات الغنائية، والانطلاقة بأغانٍ لـ "سيدة الغناء العربي" أم كلثوم ([58])، وهو أمر مخالف بشدة للفكر السلفي.

6.وأكد أحمد الخطيب رئيس هيئة الترفيه في السعودية أن بلاده ستفتح دور سينما وستبني دار أوبرا عالمية، لكنه لم يحدد أي موعد زمني لذلك، وقد وبدأت السعودية هذا العام في إقامة عدد من الحفلات الغنائية في جدة والرياض، والتي شهدت حضورًا وتفاعلًا كبيرًا من الجمهور السعودي المتذوق للفن ([59]).


فإذا كانت الصبغة الدينية السلفية هي التي حققت الشرعية للنظام السعودي طيلة قرن من الزمان، فماذا بعد بدأ التحلل الثاني منها؟ بطبيعة الحال سوف يبدأ التيار المدخلي بتبرير فعل (أولياء الأمور) والذي بدوره سيضخم من حالة عدم المنطقية في خطاب التيار، مما سيضعف من مصداقيته عند اتباعه، كما سيؤدي توجه النظام السعودي لنشر الثقافة الغربية، إلى فقد عدد من الهيئات والتجمعات السلفية لمنطق وجودها وكذلك تمويلها المرتبط بدعم النظام السعودي، مما يشي بتلاشي التيار المدخلي الذي يعمل كحائط صد أيديولوجي عن النظام السعودي، واستبداله بمؤسسات أخرى تحمل طابع النظام الجديد.

وسيتوجه اتباع التيارات السلفية في رأيي بدورهم إلى أربع وجهات محتملة:


الأول: ربما أدى ضعف خطاب السلفية المدخلية، مع تشديد القبضة الأمنية، إلى حالة من التذمر في أوساط الحركات السلفية، واليأس من الإصلاح وفقدان الهوية، مما يستدعي عندهم أحداث نشأة الدولة السعودية الثالثة، والقضاء على حركة الإخوان، ثم قضائها على محاولة الإحياء الأخيرة متمثلة في أحداث الحرم عام 1979م، مستلهمة شخصيات مثل ابن بجاد وجهيمان العتيبي، مما سيوسع من انتشار التيارات الجهادية، وذلك لعدد من الأسباب:

1.إحكام ابن سلمان للقبضة الأمنية واعتقال الدعاة والأكاديميين، مما يقطع الطريق أمام الإصلاح المجتمعي السلمي، ومنظمات المجتمع المدني.

2.الثقافة الوهابية -والتي تعبر عن الهوية الدينية للتيارات السلفية- ثقافة راديكالية، لا تقبل بالحلول الوسط، مما يدعم ميلها للتوجهات الجهادية.

3.البعد التاريخي للتيارات الجهادية داخل المجتمع السعودي، فالفكر الوهابي الذي يمثل الهوية التاريخية للسعوديين، هو ذاته الملهم الأساسي للفكر الجهادي، مع ما للسعوديين من تأثير ضخم في نشأة التيار الجهادي المعاصر، فمؤسس وملهم التيارات الجهادية الأبرز أسامة بن لادن سعودي الجنسية، توجه لأفغانستان بتكليف رسمي من النظام السعودي، كما أن سامر السويلم الشهير (بخطاب) الذي يعتبر الرمز الأبرز في المقاومة الشيشانية أيضا سعودي الجنسية. كما أن 15 شخصًا من بين 19 شخصًا خطفوا طائرات ونفذوا هجمات 11 سبتمبر2001 سعوديين.

وقد درس أبو محمد المقدسي، المنظر الأبرز للتيار، في الجامعة الإسلامية بالمينة المنورة، واعتمد في مؤلفاته التأسيسية على فتاوى علماء نجد، حيث يظهر فيها كناقل أمين لفتاواهم أكثر منه مؤلف ومنظر، كما عملت السعودية كمحطة ترانزيت وتمويل للجهاديين العابرين لأفغانستان عام 1979م، والبلقان والقوقاز.

4.التدعيم الفكري والإعلامي لبعض التيارات السعودية السلمية القريبة من حزب التحرير للتيار الجهادي كالقيادي السعودي د. محمد المسعري، والقريب بدوره من بعض القيادات الصحوية، مما يصور احتمالية التلاحم بين هذه التيارات المختلفة حال انسداد الأفق، وإحكام البطش الأمني.


الثانية: ربما أدى إضعاف التوحيد الاجتماعي، مع استعمال النظام السعودي الفتوى الدينية في تبرير توجهاته، كما هو الحال في قانون قيادة المرأة للسيارة -الذي صدرت فتوى الهيئة بحرمته ثم صدرت الفتوى بحلة في حالة من الازدواجية اللامنطقية- إلى حالة من عدم الثقة وفقد الاتزان عند اتباع التيارات السلفية، ربما أدت بهم إلى نفض أيديهم من اتِّباع النظرة الإسلامية المتمثلة عندهم في الفكرة السلفية إلى التوجه نحو الثقافة والنظرة الغربية، أو ربما أدت بهم إلى التشكك في الإسلام وتشريعاته ككل، وتوجه هذه التيارات نحو حالة من اللادينية أمر وارد الحدوث جدًا.

الثالثة: توسع انتشار تيار الصحوة، وتوجه التيارات السلفية نحو العمل الحركي السلمي، وقدرة التيار على التكيف مع التغيرات نتيجة لسعة التجربة الحركية لجماعة الإخوان المسلمين، والتي مما لا شك فيه ستمثل رافد فكري وحركي للتيار.

وهو تصور مستبعد في رأيي لعدة أسباب:


1.الثقافة الوهابية -والتي تعبر عن الهوية الدينية في للتيارات السلفية- ثقافة راديكالية، لا تقبل بالحلول الوسط، كما تظهر في فتاوى ومؤلفات منظريها، فبينما نجد تنظيم (داعش) يكفر المخالف ويدعو لقتله، نجد الشيخ عامر (المدخلي) أيضا يكفر المخالف ويدعو لقتله، فمع اختلاف الوجهة فالفكرة الراديكالية واحدة، مما يجعل ميلها نحو العمل السلمي الهادئ على طريقة الصحويين بعيد عن أولوياتها وتصوراتها مقارنة بالتيارات الراديكالية.

2.حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف التيار الصحوي، وإغلاق المؤسسات والجمعيات التي يعمل من خلالها التيار مثل (هيئة الأمر بالمعروف)، مما يوضح جاهزية النظام وقدرته على إضعاف التيار وتركيزه على ذلك.

3.ضعف تيار الصحوة نفسه، وانقسامه لعدة تيارات، وانسجام بعض رموزه مع رؤى "هيئة كبار العلماء" ومن ثم رؤية النظام السعودي، ومنهم من اعتزل الحياة السياسية.


الرابعة: ربما تحول أتباع بعض التيارات السلفية السعودية خاصة المدخلية، نحو الطرق الصوفية كأيديولوجيا إسلامية بديلة، خاصة إذا سمح النظام السعودي بتمددها كعدو تقليدي للوهابية في المملكة، ودعمها (ولى الأمر) في مقابل محاربة التيار الوهابي؛ بغرض تسريع عملية محو الأثر الوهابي بإحلال فكرة إسلامية مضادة.



([1]) بن غنام، حسين، تاريخ نجد، (القاهرة: دار الشروق، ط4، 1994م) ص82.

([2]) د. محمد خليل هراس (1916 - 1975م)، ولد بمحافظة الغربية، مصر، عمل أستاذًا بكلِّيَّة أصول الدين في جامعة الأزهر، ودرَّس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة كما شغل منصب نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة النبوية، ثم الرئيس العام لها بالقاهرة.

([3]) هراس، محمد خليل، الحركة الوهابية، (بيروت: دار الكاتب العربي، _)، ص37-39.

([4]) انظر: الدخيل، خالد، الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2013م) ، ص ص82،83.

([5]) بن بشر، عثمان، عنوان المجد في تاريخ نجد، (الرياض: مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، ط4، 1982م) ، ج1/38.

([6]) بن بشر، عثمان، مرجع سابق، ص41.

([7]) حجازي، أكرم، دراسات في السلفية الجهادية، (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، ط1، 2013م)، ص35.

([8]) الدخيل، خالد، مرجع سابق، ص 126.

([9]) انظر: بن عبد الوهاب، محمد، مختصر سيرة الرسول e، (بيروت: دار البيان، ط3، 1994م)، ص16،17

([10]) بن عبد الوهاب، محمد، المحقق: صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان، محمد بن صالح العيلقي، الرسائل الشخصية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، (الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، __)، ص 95.

([11]) بن عبد الوهاب، محمد، مختصر سيرة الرسول e، (بيروت: دار البيان، ط3، 1994م)، ص25.

([12]) انظر: الدخيل، خالد، مرجع سابق، ص 314، تحت عنوان "المدن المرتدة".

([13]) راجع: الجبرتي، عبد الرحمن، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، (القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، ط بولاق ،1998)، ص 226.

([14]) الموقع الرسمي للشيخ محمد سعيد رسلان، http://www.rslan.com/، (1/12/2017).

([15]) هيغهامر، توماس، الجهاد في السعودية: قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، (بيروت : الشركية العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2013) ص 35.

([16]) هو الشيخ فتحي أمين عثمان، من مواليد عام 1935م، عمل مديراً لإدارة التراث، ووكيلًا لجمعية انصار السنة المحمدية.

([17]) هي مجلة تصدرها جمعية انصار السنة المحمدية المصرية.

([18]) عثمان، فتحي أمين، مقالة بعنوان: محمد حامد الفقي: مؤسس جماعة أنصار السنة، http://www.alukah.net/Authors/View/sharia/3935/، (15/12/2017).

([19]) انظر: الدخيل، خالد، مرجع سابق، ص ص 113-115، 262، 276، 277، ود. عبد الله الصالح العثيمين، الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، (الرياض: دار العلوم، 1979)، ص 21،22

([20]) انظر: فاسيليف، اليكسي، تاريخ العربية السعودية، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط1، 1995م) ص 379.

([21]) راجع: كشك، محمد جلال، السعوديون والحل الإسلامي، (لندن: شركة مودي جرافيك، ط3، 1982)، ص 319، 565

([22]) هي حركة إخوان من أطاع الله، نشأت حول العام 1911م، كفكرة لإحياء الوهابية، وقد استخدمها الملك عبد العزيز للتوسع في الجزيرة العربية، ثم قضى عليها بمساعدة بريطانيا في موقعة السبلة، إثر خلاف نشأ بين الملك والحركة.

([23]) كشك، محمد جلال، مرجع سابق، ص559

([24]) مفكر إسلامي من أصل يهودي، عاصر الملك عبد العزيز وصار من مستشاريه.

([25]) هو كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، والكتاب عبارة عن16 مجلدا كبيرًا، جمعت مؤلفات وفتاوى علماء الوهابية النجدية.

([26]) انظر: كشك، محمد جلال، مرجع سابق، ص ص 607 و 671.

([27]) حجازي، أكرم، مرجع سابق، ص36.

([28]) انظر: موقع النهج الواضح، http://ar.alnahj.net/tree/84 ، (1/12/2017).

([29]) منبر التوحيد والجهاد على شبكة الانترنت، https://goo.gl/N9uUPw، يوم السبت 4/11/2017، الساعة 14:00. وتعبر كلمة الطواغيت عند المقدسي في الغالب عن كل حاكم يحكم بغير نظام الشريعة الإسلامية.

([30]) انظر: المقدسي، "إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر" و"تبصير العقلاء بتلبيسات أهل التجهم والإرجاء".

([31]) انظر: المقدسي، "كشف النقاب عن شريعة الغاب" و"الديمقراطية دين" و"كشف شبهات المجادلين عن عساكر الشرك وانصار القوانين".

([32]) مصطفى بن عبد القادر بن مصطفى، ولد في مدينة حلب، ودرس في كليتها الهندسة الميكانيكية، التحق بتنظيم "الطليعة المقاتلة"، الذي أسسه مروان حديد في سورية، تخصص في علم هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة، اشتهر السوري بكتابه "دعوة المقاومة العالمية" والذي شرح فيه نظريته الحركية.

([33]) السوري، أبو مصعب، دعوة المقاومة العالمية، كتاب الكتروني doc، موقع منبر التوحيد والجهاد http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_808.html ، (15/12/2017)، ص694.

([34]) انظر: تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، موقع الجزيرة نت على الشبكة https://goo.gl/F8zeg4، و الدخيل، تركي، هل سيضعف مقتل المقرن عمليات القاعدة، موقع العربية نت على الشبكة، https://goo.gl/K4Rgg9. (1/12/2017).

([35]) أحمد سالم، اختلاف الإسلاميين، (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، 2013) ص 114.

([36]) من أصل حبشي أقام فترة من عمرة بالمملكة السعودية، حيث عمل مدرسا بالحرم النبوي ثم استاذا في جامعة المدينة المنورة.

([37]) هاني نسيرة، السلفية في مصر تحولات ما بعد الثورة، سلسلة كراسات استراتيجية، العدد 220، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2011)، ص 16

(([38] المرجع السابق، ص 16

([39]) عامر، الشيخ محمود، هذا بيان لمدعى السلفية، مقال منشور على موقع "فضيلة الشيخ محمود عامر"، http://mahmodamer.wordpress.com/2010/06/01/427/ ، (15/12/2017).

([40]) عبد العال، على، هل حقا بايع السلفيون جمال مبارك، جريدة زمان الوصل الألكترونية، http://www.zamanalwsl.net/news/4500.html ، (28/12/2017).

(([41] عبد العال، على، هل حقا بايع السلفيون جمال مبارك، مقال سابق.

(([42] عامر، محمود، حكم الشريعة في تصريحات البرادعي الأخيرة وبيان المركز العام، مقال منشور على الموقع الرسمي للشيخ محمود عامر، http://mahmodamer.wordpress.com/2011/01/01/606/ ، (28/12/2017).

([43]) هو د. محمد سعيد رسلان، حاصل على درجة الدكتوراه في الحديث وعلومه، ويعتبر اليوم رأس التيار المدخلي في مصر، يقيم بقرية سبك الأحد محافظة المنوفية، وله دروس علمية منتظمة، وموقع على شبكة المعلومات بعنوان rslan.com

([44]) رسلان، محمد سعيد، دعائم منهج النبوة، (القاهرة، دار الفرقان للنشر، ط1، 2011)، ص ص 247 و267 و272

(([45] المرجع السابق، ص 289.

(([46] نسيرة، هاني، مرجع سابق، ص 16.

(([47] رسلان، محمد سعيد، كفى غشا للمسلمين، (مصر: دار أضواء السلف، ط1، 2009م)، ص 52-53.

([48]) أحد مشايخ السلفية المدخلية في مصر.

([49]) انظر: لو تغلب شنودة فهو إمامنا، موقع يوتيوب على الشبكة، https://www.youtube.com/watch?v=Rjy3aX4zOOw، (15/12/2017).

([50]) لاكرو، ستيفان، زمن الصحوة، (بيروت: الشبكة العربية، ط1، 2012) ، ص ص55، 64، 180.

([51]) انظر: طارق، ضياء، فصل من تاريخ الإسلام الحركي في بلاد الحرمين، موقع اضاءات على الشبكة https://goo.gl/wqwqtK، (15/12/2017).

([52]) لوموند: اعتقالات السعودية تهيئ لنقل السلطة لبن سلمان، موقع الجزيرة نت، https://goo.gl/QQfHr6، (28/12/2017).

([53]) إغناتيوس، ديفيد، محمد بن سلمان، هل يدفع المملكة للأمام أم يقودها نحو الهاوية؟، نون بوست، http://www.noonpost.org/content/12617 ، (12/12/2017).

([54]) خنق الحريات في ظل ابن سلمان يشرخ صورة "الحاكم المصلح"، شبكة DW، https://goo.gl/vDVCSe، (15/12/2017).

([55]) محمد بن سلمان والورقة الدينية: احتكار السلطة لا إصلاح، العربي الجديد، https://goo.gl/dKS449، (15/12/2017).

([56]) قيادة المرأة للسيارة بالسعودية، محطات وتطورات، شبكة الجزيرة، https://goo.gl/UKVYcMK، (15/12/2017).

([57]) صحفيتان إسرائيليتان تؤكدان زيارة «بن سلمان» السرية لتل أبيب، الخليج الجديد، على شبكة الانترنت: https://goo.gl/C8Z8yj، (15/12/2017).

([58]) أول عرض باليه في السعودية ستقدمه فرقة مسرح البولشوي الروسية، موقع i24news، https://goo.gl/RnYkCW، (1/12/2017).

([59]) الخطيب يؤكد أن السعودية ستفتح «دور سينما» وستبني «دار أوبرا»، جريدة الشرق الأوسط، https://goo.gl/nT5e8a، (1/12/2017).