فى بداية كل عام ميلادى جديد تتجدد نقاشات واسعة بين المسلمين حول مشروعية تهنئة النصارى بما يُعرف بأعياد الميلاد أو الكريسماس من عدمه .
وتحدث ضجة كبيرة ويُتَهم فيها مَنْ ينهى عن التهنئة بالتشدد والتطرف الديني وعدم فهم نصوص الشرعية التى تدعو إلى التسامح والتعايش مع الآخر.
ونحن لا نناقش المسألة من جهة يجوز أو لا يجوز-رغم أهميته- لكن نحاول الوصول إلى السبب الرئيس وراء الاهتمام المبالغ فيه بأعياد النصارى من قبل المسلمين.
ومما يثير العجب ضخامة الاحتفال بالسنة الميلادية من قبل دول (أغلبها مسلمون) ، وكمَّ الأموال الهائلة التي تنفق فى مثل هذه الاحتفالات ؛ بل ربما تطرَّق الأمر إلى ارتكاب المُوبقات، وتوفير أماكن للمنكرات.
ومثال لهذا التبذير أنه فى بداية عام 2018م تم عرض شجرة كريسماس فى فندق قصر الإمارات في مدينة ابو ظبي بقيمة 11 ونصف مليون دولار وهى الأغلى حتى الآن كما ذكرت صحيفة الديلي ميل البريطانية .
وسبب قيمتها المرتفعة هو تطعيم هذه الشجرة التي يصل ارتفاعها الى 13 متر بعدد 181 قطعة من الألماس والذهب والأحجار الكريمة من زمرد وياقوت ولؤلؤ.
فى الوقت ذاته نجد مجاعة كارثية فى اليمن ولاجئين من سوريا والعراق فى شتى أنحاء العالم لا يجدون قوت يومهم بل ولا مأوى كريم يليق بإنسان
حتى على مستوى الأفراد نجد هذا الهوس.
ففى بداية هذا العام 2019م رصدت بعض الكاميرات منظراً عجيباً على الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس لطابور من الجزائريين (بالكيلومترات) يستقلون سيارتهم منتظرين دخول تونس لقضاء ليلة رأس السنة
السنة الغلبة للمنتصر
وربما سألت نفسى سؤالا مُلحاً لماذا نرتبط بالتاريخ الميلادى ويتم إهمال التاريخ الهجرى إلا المملكة العربية السعودية التى حافظت على ذلك عقود طويلة لكنها بصدد تغيير ذلك وتريد السير فى نفس المسلك الآن
والسؤال الثانى : كيف تم الابتعاد عن تاريخنا الهجرى ؟
وهل علة هذا التقليد الأعمى للغرب على مستوى الدول والأفراد نتيجة تفوقهم الكاسح على المسلمين فى كافة المجالات سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً ؟ ، خاصة أن تقليدهم لم يقتصر فقط على هذه الظاهرة بل إن البعض يريد تقليدهم فى كل شاردة وواردة ، وما رقصة (كيكى) عنا ببعيد .
لو تتبعنا كيف تم ذلك التغيير؟ لوجدنا أساسه مؤامرات أعداء الإسلام وغفلة أبناؤه، باستغلال الأحداث والظروف التاريخية لتجهيل المسلمين وابعادهم عن تاريخهم وهويتهم .
تنحية التاريخ الهجري
ففي القرن الثاني عشر الهجري الموافق للثامن عشر الميلادي، عندما أرادت الدولة العثمانيَّة تحديث جيشها وسلاحها، طلبتْ مساعدة الدول الأوروبيَّة العظمى وقتها مثل (فرنسا وألمانيا وإنجلترا)، فوافقوا على مساعدتها بشروط؛ منها: إلغاء التقويم الهجري في الدولة العثمانيَّة، فرضَخت لضغوطهم.
وفي القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي عندما أراد خديوي مصر أن يَقترض مبلغًا من الذهب من إنجلترا وفرنسا؛ لتغطية مصاريف فتح قناة السويس، اشترطتَا عليه ستة شروط؛ منها: إلغاء التقويم الهجري في مصر، فتمَّ إلغاؤه سنة: 1292هـ - 1875م، واستبدال التقويم القبطي والميلادي به.
كل هذا وغيره يبين لنا أن للتاريخ الهجري أهمية كبيرة(لدى أعدائنا)، ولو لم يكن كذلك لما استخدم الغرب جميع إمكانياته من أجل استبداله ومحوه من الأمة الإسلامية.
وهم بهذا جعلونا نسير على خطاهم وسننهم فمما أحدثه اليهود والنصارى فى دينهم من تلاعب بشهورهم ونتج عنه تحريف وتغيير فى شريعتهم قال ابن القيم رحمه الله: "ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره ونزوله، لا حساب الشمس وسيرها حكمة من الله ورحمة، وحفظًا للدين لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذَّر الغلط والخطأ، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والخطأ ما دخل في دين أهل الكتاب( مفتاح دار السعادة).
وما دام بهذا القدر الكبير وجب على المسلمين في عصرنا وفي كل عصر أن يستشعروا قيمته الحقيقية، ويحافظوا عليه لأنه هوية أمة لا يجوز التفريط بها وتاريخ حضارة يجب أن تبقى باقية إلى قيام الساعة.
أهمية التاريخ الهجري
ومن خلال الاهتمام بالتاريخ الهجرى يتم استحضار الوقائع المضيئة التى تبث روح الأمل في إعادة تلك الأمجاد من الفتوحات والغزوات والانتصارات .
و إفاقة الأمة من هذه الغيبوبة التى أصابتها على مدى قرنين من الزمان، ولابد من توعية المجتمع الإسلامي بهذا الأمر، والدعوة إلى الاهتمام بالتاريخ الهجري.
ففى ظل التبعية الكاملة من مؤسسات الدول العربية والإسلامية للحكام -على قلة وانعدام دينهم- وإصدار الفتاوى كما يتراءى لهم لا نجد سوى الشباب والدعاة الغيورين على دينهم الذين يتخذ بعضهم من مواقع التواصل الإجتماعي منبراً للتوعية والنصح والإرشاد .
وهؤلاء عليهم دور فى التغيير والإصلاح إن شاء الله وعليهم عدة مهام مقترحة منها:
أولاً: التنبيه على الاهتمام بالتاريخ الهجري ؛ كأن يُوصي الدعاة الناسَ أن يتواعَدوا بالتاريخ الهجري، وأن يذكروا مواليدهم بالتاريخ الهجري، ومعرفة ما يقابل التاريخ الميلادى من أحداث ماضية أصبح سهل ميسور بواسطة بعض البرامج والتطبيقات الحديثة .
ثانيا: تذكير الناس بكل مناسبة هجريَّة كالغزوات والحروب والمعارك الإسلامية ، واستخلاص العبر والفوائد منها.
ثالثا: ذكر الشخصيات المهمة في تاريخنا الإسلامي ميلادًا ووفاةً من خلال التقويم الهجري ، والحديث عن أعمالهم ومآثرهم وأثرها في تاريخ الإسلام.
رابعا : التنبيه على أن التاريخ الهجرى من أسباب حفظ الدين من التحريف والتبديل ذلك أن له ارتباط بالعبادات مثل صيام رمضان وحج بيت الله الحرام.
هذه بعض المقترحات لإحياء التاريخ الهجرى والاهتمام بالتأريخ به لأنه شعار هويتنا الإسلاميَّة وبه تَستردُ الأمة كثير من عافيتها ، ومَنْ لديه أفكار أخرى عليه بطرحها وتفعيلها مع جميع المقترحات.
فاللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأمة أَمْرًا رَشَدًا يُعَزُّ فِيهِ وَلِيُّكَ، وَيُذَلُّ فِيهِ عَدُوُّكَ، وَيُعْمَلُ فِيهِ لِطَاعَتِكَ، وَيُتَنَاهَى عَنْ سَخَطِكَ.